الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نوى العمرة لفظا ولم يؤدها

السؤال

ما حكم من نوى العمرة لفظا ولم يؤدها، علما بأنني لم ألبس الإحرام، وإنما قلت: اللهم إني نويت العمرة فيسرها لي؟ وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالإحرام بالحج أو العمرة ينعقد بمجرد النية، وهي قصد البدء بالنسك، ولا تشترط التلبية ولا ارتداء ثياب الإحرام، جاء في المجموع للنووي الشافعي: فقال أصحابنا: ينبغي لمريد الإحرام أن ينويه بقلبه ويتلفظ بذلك بلسانه ويلبي فيقول بقلبه ولسانه: نويت الحج وأحرمت به لله تعالى، لبيك اللهم لبيك... إلى آخر التلبية، فهذا أكمل ما ينبغي له، فالإحرام هو النية بالقلب، وهي قصد الدخول في الحج أو العمرة أو كليهما، هكذا صرح به البندنيجي والأصحاب، وأما اللفظ بذلك: فمستحب لتوكيد ما في القلب. انتهى.

وقال الدردير المالكي في الشرح الكبير: ثم الراجح أن الإحرام هو النية فقط. انتهى.

قال الدسوقي في حاشيته: قوله: هو النية فقط ـ أي بأن ينوي في قلبه الدخول في حرمات الحج، أو العمرة، أو هما، وأما التلبية والتجرد فكل منهما واجب على حدته. انتهى.

وجاء في الشرح الكبير لابن قدامة الحنبلي: وينوي الإحرام بقلبه ولا ينعقد إلا بالنية، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات ـ ولأنها عبادة محضة فافتقرت إلى النية كالصلاة، فإن لبى من غير نية لم يصر محرماً، لما ذكرنا، وإن اقتصر على النية كفاه ذلك، وهو قول مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة: لا ينعقد بمجرد النية حتى يضاف إليها التلبية أو سوق الهدي. انتهى.

وبناء على ما سبق، فإن كنت قد نويت بقلبك البدء بأعمال العمرة، فإحرامك منعقد عند الجمهور والواجب عليك المبادرة بإكمالها، لقوله تعالى: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ{البقرة:196}.

وعلى هذا، فيجب عليك فورا التوجه إلى مكة لإكمال عمرتك، وإذا عجزت عن الرجوع إلى مكة فإنك حينئذ ينطبق عليك حكم المحصر، فلك أن تتحلل من عمرتك بالحلق أو التقصير، ويكفيك ذبح شاة أو بدنة وتوزعها على الفقراء في بلد إقامتك، وراجع في ذلك الفتويين رقم: 116129، ورقم: 135351.

وبخصوص ما أقدمتَ عليه من محظورات الإحرام قبل التحلل من العمرة: فما كان منه من قبيل الإتلاف ـ كقص الشعر وتقليم الأظافر ـ ففي كل جنس منه فدية واحدة، والفدية هي: شاة تذبح بمكة وتوزع على المساكين هناك، أو صوم ثلاثة أيام، أو التصدق بثلاثة آصع من طعام، على ستة مساكين ـ وما كان من قبيل الترفه كلبس المخيط واستعمال الطيب: فلا شيء فيه إذا كنت جاهلا، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 14023.

وإن حصل منك جماع جهلا فلا تفسد عمرتك عند كثير من أهل العلم، كما ذكرنا في الفتوى رقم: 15047.

وأما إن كنت لم تحرم بالعمرة الإحرام الذي بيناه، فلا يلزمك شيء.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة