الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تزوج من نصرانية وأنجب منها ووعدته أن تسلم وأخلفت ويخاف إن طلقها ضياع ولده

السؤال

أنا مسلم ومقيم في دولة أوربية بغرض الدراسة، وقد تزوجت من فتاة مسيحية من روسيا منذ حوالي خمس سنوات على سنة الله ورسوله، ولكن شرطي كان أن تسلم، وهي وافقت على ذلك، ولكنها طلبت بأن تسلم عندما ترى نفسها مستعدة، وبعد ثلاث سنوات من الزواج أنجبت ولدا منها، ولكنها تعيش وتعمل في روسيا مع عائلتها؛ لأنها من روسيا، ومعها طفلي، وكانت خلال السنوات السابقة تأتي لتزورني من حين لآخر، وأنا أزورها حين استطاعتي، وكان الاتفاق أن تأتي وتعيش معي في أوروبا عندما أجد عملا، وأستطيع أن أجلبها هي وطفلي إلى أوروبا حيث أعيش، وهي وافقت على ذلك. في بداية زواجي لم أخبر أهلي بالزواج، ولكن بعد أن رزقت بطفل وأصبحت أستطيع أن أجلب زوجتي وطفلي أخبرت أهلي، ولكنني في نفس الوقت أخبرت زوجتي بأنه يجب عليها أن تدخل الإسلام لأنها كانت قد وعدتني بذلك، وكذلك أخبرتها بأنه عليها أن تضع حجابا لكي يتقبلها أهلي، ولكنها رفضت بحجة أنها لا تشعر بعد بأنها جاهزة لأن تكون مسلمة، وبأنها لا تريد أن تمثل كذبا أمام أهلي بأنها مسلمة، وقد هددتها بالانفصال عنها إذا لم تستجب، ولكنها أصرت ولم تعد ترغب أن تنتقل لتعيش معي، و تريد أن تبقى مع طفلي في روسيا، والسبب أنها شعرت بالخوف من العيش معي بأن أجبرها على ما لا تحب في المستقبل. عندها أخبرتها بأنني لن أجبرها على الدخول في الإسلام حتى تقتنع هي بنفسها بالإسلام، وتدخل الدين طواعية، ولكنها ظلت مترددة، ولا تريد أن تغامر، وتأتي لتعيش معي هي وطفلي. وإلى الآن هي مترددة، لكن أهلي يقولون لي بأن أطلقها وأتركها هي والطفل في روسيا، وأتزوج امرأة أخرى مسلمة، وأنا أفهم وجهة نظر أهلي، ولكني متردد في الطلاق خصوصا أني سوف أخسر زوجتي وطفلي إذا طلقتها، وسيتربى طفلي في روسيا، ولن أستطيع أن أدخله الإسلام، مع العلم أن اتفاقي مع زوجتي كان أن يكون كل الأولاد مسلمين، وأسماؤهم عربية.
سؤالي: هل يجوز لي أن أطلقها أو أن أصبر حتى تغير رأيها وتأتي لتعيش معي أنا وطفلي؟ وماذا أفعل إن أصرت ألا تأتي لتعيش معي؟ وهل يجب أن أطيع أهلي إن أمروني أن أطلقها للأسباب المذكورة، مع العلم هي لا تريد أن نطلق، ولكنها خائفة إن أتت لتعيش معي بأن أجبرها على الحجاب أو أشياء هي لا تريدها؛ كأن آخذها لتعيش في دولة أخرى عربية؟
ماذا يقول الشرع في هذه الحالة؟ أنا محتار، ويعلم الله أني أخاف الله، وأخاف أن آخذ قرارا خاطئا، ولكني أميل أن أطلقها لأنني أحس بأنها نقضت عهدها معي بأن تأتي وتعيش معي.
انصحوني، جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنقول في البدء: إن الزواج من الكتابية العفيفة جائز، ويجب أن تتوافر في هذا الزواج شروط الزواج الصحيح، ومن أهمها الولي الشهود، وراجع هذه الشروط في الفتوى رقم: 1766. ومع ما ذكرنا من جواز الزواج منها إلا أنه لما كان الغالب أن لا يخلو ذلك من بعض المحاذير الشرعية كره بعض العلماء الزواج منها، وسبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 5315. ولعل حالك الذي أنت فيه خير شاهد على هذا، ففي حال وقوع الطلاق، وبقاء هذا الطفل في حضانة أمه يجعله عرضة لأن ينشأ على دين باطل فلينتبه لهذا!!! فخير للمسلم أن يتزوج من امرأة مسلمة صالحة، فقد ثبت في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فاظفر بذات الدين تربت يداك.

وهذه المرأة يجب عليها أن تدخل في الإسلام ولو لم يكن بينك وبينها شرط أو وعد، فالإسلام قد نسخ جميع الأديان فلا يقبل الله عز وجل من الناس دينا سواه، قال تعالى: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ {آل عمران:85}، وثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: والذي نفس محمد بيده؛ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار.

ويجب على الزوجة أن تقيم حيث يقيم زوجها، فليس من حق هذه المرأة أن ترفض الانتقال للإقامة معك لغير عذر شرعي، وهي بهذا الرفض تكون ناشزا، وراجع الفتوى رقم: 72117. وهذه المرأة تكون جمعت بين أمرين سيئين، كونها غير مسلمة، وكونها ناشزا.

وإن أمرك والداك بتطليقها، وتخشى على ولدك بطلاقها أن تكون لها حضانته وأنها قد تؤثر عليه في عقيدته وأخلاقه فينشأ على الكفر فلا تجب عليك طاعتهما فيما يظهر لنا؛ لأن الطاعة تكون في المعروف، وليس من المعروف طاعتهما فيما يمكن أن يترتب عليه ضرر. وانظر الفتوى رقم: 76303. وإن لم يرتض والداك ذلك وغضبا فاجتهد في سبيل إرضائهما.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة