الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبناؤنا والصلاة

أبناؤنا والصلاة

مما لا شك فيه أن للأبوين أثرا كبيرا في صلاح الأبناء واستقامتهم، ولعل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".لعل في هذا الحديث دلالة واضحة على مدى هذا الأثر للآباء في الأبناء.

وقد لفت النبي صلى الله عليه وسلم أنظار الآباء إلى هذه القضية وذكرهم بمسؤوليتهم تجاه أبنائهم حين قال:"كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته...".

والوالد مسؤول مسؤولية عظيمة عن أسرته والأخذ بأيدي الأبناء نحو الصلاح والاستقامة بل هو مسؤول عن الأخذ بأسباب وقايتهم من النار، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}.
وهذا من أوكد حقوق الأبناء على الآباء، حيث قال انبي صلى الله عليه وسلم:" وإن لولدك عليك حقاً".

ومن أهم أسباب صلاحهم وحُسن تربيتهم تنشئتهم على حُبِّ الصلاة والمحافظة عليها والاهتمام بها، امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:
" مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر".

والله عز وجل يقول:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}، وكان عمر بن الخطاب إذا قام من الليل أقام أهله ويقرأ:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}، وكان عروة رضي الله عنه إذا رجع من السوق إلى البيت يقول لأهله: الصلاة الصلاة رحمكم الله.

وامتدح الله نبيه إسماعيل عليه السلام فقال: {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}، وكان من دعاء الخليل عليه السلام: ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريّتي ).

كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصطحب عبد الله بن عباس والفضل وأسامة بن زيد وغيرهم من أطفال المسلمين معه فيشهدون صلاة العيد ويستمعون الخطبة تعويداً لهم على الخير.

وقد ذكرت الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ في تعويد الأطفال على صيام عاشوراء فقالت: ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن...". نعم يأخذونهم إلى المسجد فيتعلمون هناك الصلاة من خلال رؤية الأمهات يصلين.

قال ابن عباس: " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم" (والمحكم من أول الحجرات إلى سورة الناس).

وابن عباس كان معروفاً بين الصحابة وهو الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وأردفه على حماره...إلخ، وهو الذي قام مع النبي صلى الله عليه وسلم حين بات عند خالته ميمونة.

وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول لولده: يا بني ليكن المسجد بيتك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:إن المساجد بيوت المتقين، فمن كانت المساجد بيوته ضمن الله له بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى الجنة".

قال مجاهد: سمعت رجلاً من أصحاب النبي يقول لولده: أدركت الصلاة؟ قال: نعم. قال: أدركت التكبيرة الأولى؟ قال: لا. قال: لما فاتك منها خير من مائة ناقة كلها سود العين.

واظر إلى حرص الآباء الصالحين على استقامة أبنائهم ومحافظتهم على الصلاة متمثلة في رد فعل عبد العزيز بن مروان مع ولده عمر حين تأخر عن الصلاة بسبب ترجيل شعره، فقد أرسل له رسولا وامره أن يدخل على ولده عمر بن عبد العزيز وألا يكلمه حتى يحلق له شعره الذي تسبب في تأخره على الصلاة، فلم يؤثر عن عمر أنه تأخر عن الجماعة بعدها.

من أهم الأساليب لبث الحرص على الصلاة في نفوس الأبناء:
1- القدوة الصالحة: أنت بالنسبة لطفلك الأسوة والقدوة، وقد زين في عين طفلك كل ما تفعله، ولهذا لما رأى بعض السلف رجلا ينقر صلاته ولا يحسنها قال: ما أرحمني بعياله.
ومن ذلك أن يحرص الأب على صلاة النوافل في البيوت.
2- الحرص على اصطحابه إلى المسجد وربطه بالآخرة...
3- التشجيع والتحفيز بوسائل مختلفة، ومن ذلك:
- الثناء الطيب عليه أمام الآخرين لمحافظته على الصلاة..
- رصد مبلغ أو هدية عند محافظته على الصلاة...
- نزهة لمكان يحبه لأنه يصلي،وقد أحسنت بعض المؤسسات الخيرية الإسلامية حين رصدت بعض الهدايا في مناسبات مختلفة وكتبت عليها: هدية لأنك تصلي.
4- الدعاء الكثير لهم وجعل ذلك هماً تحمله...
5- استعمال وسائل التعليم الحديثة.
6- تعليمه آداب المساجد.

ولنتذكر قول القائل:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا *** على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن *** يعوده التدين أقربوه

قال ابن تيمية: من كان عنده صغير ... فلم يأمره بالصلاة فإنه يُعاقَبُ الكبير إذ لم يأمر الصغير، ويُعَزَّرُ ( أي يعاقب ) الكبير على ذلك تعزيراً بليغاً لأنه عصى الله ورسوله.

وقال ابن القيم:وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه ففاته انتفاعه بولده، وفوّت على ولده حظه من الدنيا والآخرة... ثم قال: وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا إنه سميع الدعاء.

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة