الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

المديد في إثبات دلائل نبوة الرسول المجيد (2) -بشارات الكتب السابقة بنبوته –

  • الكاتب:
  • التصنيف:تعزيز اليقين

المديد في إثبات دلائل نبوة الرسول المجيد (2) -بشارات الكتب السابقة بنبوته –

المديد في إثبات دلائل نبوة الرسول المجيد (2) -بشارات الكتب السابقة بنبوته –

من كرامات الله تعالى لنبيّه الخاتم، ومن أفضاله على أمّة الإسلام، أنه برغم التحريف الذي لحق الكتب السماوية السابقة، وبيانه لما طالها من تبديلٍ وتغييرٍ، إلا أنه أعمى أبصار المحرّفين، عن عدد من النصوص التي لا زالت كالشمس ساطعةً، تخبر بنبوة نبي الإسلام – عليه الصلاة والسلام -، مصداقاً لقوله تعالى : {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } ( الأعراف : 157 ) .

فقضّت تلك النصوص مضاجع اللاهوتيين والقساوسة، وسلكوا كافّة السبل لطمسها في الترجمات تارةً، ولتأويلها بما لا يستقيم تارةً أخرى، وذلك لمّا فقدوا نفراً كثيراً من الأكاديميين والمتديّنين، جرّاء هاته البشارت وغيرها .. فما أفلَحت وسائلهم، ولا نجحت مكائدهم.

وهذه البشارات من أجمل الأدلّة وأقواها في ميزان الحجة المنطقيّة، خاصّةً في حوار المسلمين بأهل الكتاب من اليهود والنّصارى، وفي بيانها نقول وبالله التوفيق :

البشارة لإبراهيم وهاجر عليهما السلام :
وذلك ما نجده في سفر التكوين حين بشّر الله – عز وجل- إبراهيم – عليه السلام - : " وأما اسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جدا اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمّةً عظيمة " ( الإصحاح 17 : النص 20 ).

وقد تمَّ استبدال لفظ " عظيمة " بـ " كبيرة " في نسخة الفاندايك، في حين احتفظوا بها في الترجمة الكاثوليكية والترجمة المشتركة، وكان الغرض طمس البشارة لكي يتوهم القارئ أن المباركة في التكثير لا في العظمة .

ونستقي من هذا النصّ دلالاتٍ : أن الله تعالى سيبارك في أمة إسماعيل ويثمره ويجعله أمّة عظيمة، والنّصارى يقرون بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – هو من ذريّة إسماعيل – عليه السلام، فلا يتقيم حينها مباركته ذريته وجعله أمة عظيمة إن كانت قائمةً على الكفر .. فمن لوازم المباركة أن تكون أمة إسماعيل موحدةً مؤمنةً بالله تعالى .

وتلك أولى البشارات العامة بالنبي – صلى الله عليه وسلم -.

البشارة بالأمة التي سيُبعث فيها خاتم النبيين :
وهو ما نجده في سفر التثنية : " إنهم جيل متقلّب، أولادٌ لا أمانة فيهم، هم أغاروني بما ليس إلها، أغاظوني بأباطيلهم فأنا أغيرهم بما ليس شعباً بأمة غبيّة أغيظهم " ( 32 : 21 ) .

وهنا يتحدّث النصّ عما سيفعله الله بشعب إسرائيل، الذين سيرتدّون عن عبادته بعد موسى – عليه السلام -، وما سيفعله عقاباً لهم بنزع العهد منهم إلى أمّةٍ أميّةٍ جاهلةٍ بشريعة أهل الكتاب، لا حضارة لهم ولا معارف ولا علوم، وهذه كانت حال العرب في الجزيرة وقت أن بعث الله فيهم النبي محمد – صلى الله عليه وسلم - .

وهذه النبوءة أيضاً جاءت على لسان المسيح عليه السلام في إنجيل متى : " إن ملكوت الله ينزع منكم ويعطى لأمة تعمل أثماره " ( 21 : 43).

وهو مصداق قوله تعالى في القرآن الكريم : {هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} ( الجمعة : 2 ).

البشارة بمكان الرسالة الخاتمة :
ورد في سفر التثنية على لسان موسى – عليه السلام – قبل موته قال : " جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران " ( 33 : 2 ).

فهذه بشارةٌ بالأنبياء الثلاثة وهم : موسى وعيسى ومحمد – صلوات الله عليهم وسلامه -، فمبعث موسى كان في سيناء، وسعيرٌ هي أرض الجليل ببلدة الناصرة حيث مبعث النبي عيسى، وفاران هي مكة مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءت البشارة بترتيب كرونولوجي -أي: زمني-.

وقد ثبت تاريخيا أن اسماعيل – عليه السلام – قد سكن مكة، وقد ذكر الكتاب المقدّس أن فاران مكان سكناه، حيث جاء في سفر التكوين : " وفتح الله عينيها – أي هاجر – فأبصرت بئر ماء – زمزم -، فذهبت وملأت القربة ماءً وسقت الغلام – أي إسماعيل- وكان الله مع الغلام فكبر، وسكن في البرية، وكان ينمو رامي قوس، وسكن في بريّة فاران " ( 21 : 19 -21 ).

البشارة بنبي لا يعرف القراءة :
وهو النص الذي توعد فيه النبي إشعيا بني إسرائيل بالنبي الخاتم، الذي لا يعرف القراءة، فيقول : " أو يُدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتابة ويقال له : اقرأ، فيقول : لا أعرف القراءة " ( إشعيا 29 : 10 -13 ).

وهذا عينُ ما رواه البخاري عن عائشة أم المؤمنين قالت: ( .. حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ ، قال : ما أنا بقارئ، قال : فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال : اقرأ قلت ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال : اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال : {اقرأ باسم ربك الذي خلق* خلق الإنسان من علق* اقرأ وربك الأكرم} . فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده ..) رواه البخاري.

البشارة بوحي من جهة العرب ووصفٌ لهجرة النبي – صلى الله عليه وسلم – :
وأظن هذه البشارة كافيةً لكل منصفٍ متأمّل، وتجدها أيها القارئ في سفر إشعيا : " وحي من جهة بلاد العرب: في الوعر في بلاد العرب تبيتين، يا قوافل الددانيين ، هاتوا ماء لملاقاة العطشان، يا سكان أرض تيماء. وافوا الهارب بخبزه،، فإنهم من أمام السيوف قد هربوا. من أمام السيف المسلول، ومن أمام القوس المشدودة، ومن أمام شدة الحرب "( 21 : 13-16 ).

والدادانيون هم نسلُ إبراهيم عليه السلام، وسكان تيماء الموجودة في شمال الحجاز، وفي النص نبوءةٌ واضحةٌ لوحيٍ من جهة العرب وفي بلادهم، يخرجون منها مهاجرين فارّين بدينهم من سطوة الأعداء، وهو ما حصل في الهجرة النبوية.

وحسبنا من البشارات هاته الخمسة فقط، والمنصف تكفيه واحدةٌ حتى يطمئنّ، فذاك تفصيل دليل البشارات بالنبي – صلى الله عليه وسلم -، التي لا زال يخفيها كثيرٌ من الرهبان ويحرفون من معانيها ويتأولون بالباطل دلالاتها مصداقاً لقوله تعالى : {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون} ( البقرة : 146 ).

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة