الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أدلة وجود الله...كلمة تمهيدية

أدلة وجود الله...كلمة تمهيدية

أدلة وجود الله...كلمة تمهيدية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
إن معرفة الله سبحانه وتعالى والإقرارَ بوجوده أمر فطري، مستقر في قلوب الخلق، مغروز في فِطَر الناس أجمعين. وقد حكى جماعة من العلماء المتخصصين في مقالات الطوائف والملل، اتفاقَ الناس على الإقرار بوجود الخالق سبحانه، كما سيأتي بيانه لاحقا إن شاء الله.

وكل إنكار لوجود الصانع سبحانه وتعالى، لم يكن عبر التاريخ إلا على إحدى جهتين:

الأولى: جهة المكابرة مع تيقن النفس بالحق في باطنها، كما قال الله تعالى عن فرعون وقومه: { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعُلوّا } (النمل:14).

والجهة الثانية: تغير الفطرة لسبب خارجي، يؤثر فيها فيفسدها، ويحدث لصاحبها شكوكا تستقر في نفسه إن لم يعالجها بأدوية الوحي.

ولأجل استقرار معرفة الله تعالى في الفِطر، فإنه لم يكثر في كتاب الله تعالى ولا في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- الحديث عن إثبات وجود الله عز وجل، وكثر فيهما – بالمقابل – الاستدلال على تحريم الشرك ووجوب توحيد الله تعالى في العبادة، وعلى بيان ما يستحقه الله تعالى من أسماء الجلال وصفات الكمال. (مع أن أصول الاستدلال على إثبات وجود الله وكمال ربوبيته موجودة في كتاب الله، الذي اشتمل من ذلك على ما ينفع العقول الباحثة عن الحق، والقلوب المجردة من اتباع الهوى).

وكذلك من تأمل كلام الأئمة المتقدمين، من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم من الأئمة المجتهدين، وجد أغلب كلامهم العقدي متعلقا بالأسماء والصفات الإلهية، أو بالتحذير من الشرك في العبادة. ويندر في كلامهم بحث وجود الله أو ربوبيته، والاستدلال على ذلك. مما يدل على أنهم يرون الأمر من المسلّمات المستقرة في الفطرة البشرية.

ومن هذا النادر في كلامهم: ما جاء عن بعضهم في تفسير قوله تعالى: { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، قالوا: بلى شهدنا } (الأعراف:172). قال الكلبي والحسن البصري: " وأخذ ميثاقهم أنه ربهم، فأعطوه ذلك، ولا يسأل أحد كافر ولا غيره: من ربك؟ إلا قال: الله " (1) ، وقال السدّي: " ليس في الأرض أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف أن ربه الله "(2).

وعلى هذا المنهج مضى الأئمة من بعدهم، إلى عصورنا المتأخرة التي انتشر فيها الإلحاد في العالم الغربي، وتسرّبت آثاره إلى داخل الأمة الإسلامية.

وانتشار الإلحاد وإنكار وجود الله، له أسباب مختلفة، من أهمها:
• الصراع العنيف بين الكنيسة والعلم الحديث، واصطفاف الكنيسة تاريخيا في المعسكر المناوئ للعلم، مما جعل أصحاب العقول المستنيرة بأنوار العلم الحديث يميلون إلى مخالفة الكنيسة في جميع ما تدافع عنه، ولو كان ذلك حقا!

• تقصير علماء اللاهوت النصارى عن تقديم الإجابات العقلية عن الأسئلة الإلحادية حين كانت في طور نشأتها الأول، ولذلك أسباب مختلفة مرتبطة بطبيعة دين النصرانية.

• وقوف الكنيسة إلى جانب الحكام الظلمة الفاسدين، ومواجهتها لجميع أشكال الثورة على الظلم، مما جعل الدين مرادفا للانحطاط الفكري في أذهان الكثيرين.

• نشوء بعض النظريات ''العلمية'' المناوئة للتصورات الدينية، وحصولها على التشجيع المادي والمعنوي في جامعات الغرب ومنابره الإعلامية. وعلى رأس هذه النظريات: نظرية التطور الداروينية.

وهنالك أسباب أخرى متعددة، يصعب حصرها.

ومعرفة هذه الأسباب شيء مفيد جدا، ليعرف الملحدون والمؤمنون – على السواء – من أين جاء الإلحاد، وأن ذلك خاضع لظروف تاريخية وأصول سياسية وحضارية، وليس للاستدلال العقلي المجرد النزيه – كما يروج له بعض دعاة الإلحاد المشهورين.

وبعبارة أخرى، فالإلحاد استثناء في مسيرة الإنسانية الطويلة، أمْلَته تطورات تاريخية معينة، يمكن أن يزول إذا زالت، وهو مستمر مع استمرارها!

ومع إيماننا بقوة الظروف المساعدة على انتشار الإلحاد، فإن إيماننا بضرورة التصدي للباطل، وإزالة العوائق التي تغلق منافذ النفس أمام دعوات الحق، تجعلنا مضطرين إلى الاستدلال على وجود الباري سبحانه، ودحض شبهات المنكرين.
كما أن ثقتنا في العقل الإنساني السليم، وفي وجود من يستخدمه الاستخدام الحسن السالم من الأهواء على الرغم من المؤثرات السلبية للبيئة المحيطة، يجعلنا مطمئنين إلى أن ظاهرة الإلحاد إلى زوال، وأن البشر الضائعين في متاهاته سيعرفون طريقهم إلى الإيمان بالله.

ولأجل هذا كله، فنحن محتاجون اليوم إلى بسط البراهين الدالة على وجود الخالق سبحانه، وبذل الجهد في الاستدلال على هذا الأمر الذي تدركه العقول بداهة، لولا ما يدخل عليها من الفساد.
ولأن الطريق الموصل إلى وجود الله تعالى ليس واحدا، فإن الأدلة التي سنعرضها في سلسلة المقالات هذه متنوعة تنوعَ المتلقين في مؤهلاتهم واهتماماتهم وطبائع نفوسهم. وقد يكون بعض هذه الأدلة مما يرتضيه بعض الناس، ويلائم نفوسهم، ولكنه لا يلائم أناسا آخرين، فلا يرتضونه.

ونحن حين نناقش الإلحاد ونبرهن على ما فيه من خلل وتناقض، فإن ذلك لا يعني أن الخلاف سائغ ممكن، وأن الإلحاد حالة طبيعية مثلها في ذلك مثل حالة الإيمان. بل نقول إن الإلحاد شذوذ فكري، ومرض ينبغي البحث عن علاجه
وهذا الذي سنسعى إليه في المقالات القادمة إن شاء الله.
د. البشير عصام

هوامش المقال
1- تفسير الطبري: 10/561.
2- المصدر السابق

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة