الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

لماذا ضللت ؟ 6

  • الكاتب:
  • التصنيف:تعزيز اليقين

لماذا ضللت ؟ 6

لماذا ضللت ؟ 6

الحالة الحادية عشرة: لماذا عليّ أن أعبد الله وهو غير محتاج لعبادتي ؟

هب أنك أيها الملحد التقيتَ إنساناً مثلك فاشترى لك مسكناً وزوّدك بمالٍ وفيرٍ، وزوّدك بعديدٍ من النّعم، وطمأنك على رزقك وسلامتك وكل توابعك الحياتيّة، ولم يطلب منك إلا شيئاً واحداً وهو الامتثال لأوامره واجتناب نواهيه ؟ فإن فعلتَ وعدك بخيرٍ من هذا وإن لم تفعل حرمك وعاقبك، فأخذتَ عنه كل ما زوّدك به، فما أنتَ فاعلٌ بعدها ؟

الجواب العقليّ المنطقيّ الذي يتفق عليه كل العقلاء، هو أنّك ستكون وفيّاً لهذا الشخص ولن تقابل كرمه باللؤم، ولا إحسانه بالإنكار والشر !

ثم هب أن هذا العرضَ جاءَ من إلهٍ مطلق الحكمة، والإرادة، والغنى، لا يأمر إلا بخيرٍ، ولا ينهى إلا عن الشرّ، رزقك شتى النعم التي تتنعّم فيها الآن ابتداءً ولما بلغتَ سنّ التمييز، أخبرك عبر رسالته أنه ولي نعمتك وأن دنياكَ هاته امتحانٌ ، ووعدك بعدها بالجنان، وتوعّدك بالنيران، ولم يطلب منك إلا شيئاً واحداً، أن تعبده، ومقتضى العبادة أن تلتزم بأمره، وتجتنب ما أمرك باجتنابه، وأخبرك بأن كل هذا هو في النهاية لصالحك كي تنال سعادتك الدنيويّة والأخرويّة، فما أنتَ قائلٌ حينها ؟

لا تقل يا زميلي الملحد، فقد فعلتَ ووصلَ الجواب، فعوض أن تعبده كفرتَ به، وأنكرتَ وجوده، وعوض أن تلتزم بأوامره اقترفتَ نواهيه، وغصتَ في ضنك الكفر والمعاصي، وأصبحتَ تائهاً في هاته الحياة ! فقابلتَ كرمه باللؤم، وخيره بالشر !

ثم أتيتَ بعد كل هذا تقول لماذا عليَّ أن أعبد الله ؟

ألم تستحِ أيها الزميل من هكذا سؤال؟ الله عزّ وجلّ شاء أن يخلق الحياة على هذا المنوال، وتفضّلا منه وهبك الحياة، ورزقك العقل، وشتى النعم من صحة وبصر، من سمعٍ ونطقٍ ...

ولم يكلّفك بما لا يطاق، الإيمان به كربّ إله، خمس صلواتٍ في اليوم، معدّلها خمس دقائق في كلّ صلاة، صوم شهر رمضان مرّةً كل عامٍ، إيتاء الزكاة للفقراء والمساكين، حج البيت إن استطعت مرة في عمرك !!

أن تخالق الناس بخلق حسن، أن تكون كنبراس حقّ يشع إيماناً للبشريّة، منعك من الزنا وصرّف لك أسباباً في الحلال كالزواج، وإن لم تكفك واحدة فتزوج ثانيةً، إلى حد الأربعة، منعك من الخمر وأنالك شتى المشروبات الحلال ألذَ مذاقاً، وأصحّ بدناً وأقل تكلفةً! منعك من أكل بعض الحيوانات وأباح لك أكل أجودها وأفضلهاَ !! أمرك بعدم الظلم، وعدم أكل أموال الناس بالباطل، وعدم الكذب ولا الاعتداء، حتى تكون إنساناً مستقيماً محبوباً من طرف البشر !! ويكون ضميرك مستريحاً !

فلماذا تختار الطريق الآخر ؟ لماذا لا تريد أن تعبد هذا الإله العظيم ؟ لماذا تبخل على نفسك – وليس عليه- بأن تعيش حياةً في طاعته ورضوانه ؟

رزقكَ رسالةً وأيّدها بشتّى الحجج التي يقرها عقلك، وتستميل فطرتك، فلماذا تتركهما وتتّبع هواك ؟

إنما هو طيشُ الإلحاد يا زميلي، قيّدك بافتراءاته، وكبّلك بأباطيله، فاستفق، فنحن نتحدّث عن إلهٍ كمال حكمته تقتضي بأن لا يخلق عباده ويتركهم هملا، لا يعرفهم بنفسه، ولا أمر لهم جامع، ولا نهي لهم مانع . وكمال ألوهيته أن يكون مطاعا، ومعرفة ذلك لا يكون إلا بالرسل .

وكمال ربوبيته أن يقيم الحجة على الخلق لأن الجزاء لا يكون إلا بعد الإنذار فكيف يعذب شخصا لا يعلم أوامره ونواهيه وما يريد منه ؟ فكان مقتضى ذلك إرسال الرسل .

وكمال ملكه وسلطانه، بتدبير شؤون الكون وإنزال الشريعة، لهاته الأسباب وأكثر عليك أن تعبد الله تعالى، وتلتزم بمنهجه وتطرح كلّ ما يخالفه، لأن كل هذا في النهاية يصبّ لصالحك أنت ! أنت وحدك وليسَ أحداً غيرك { ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم } ( الأنفال : 42 ) .

مواد ذات الصله

المقالات

المكتبة