تعب الزوجة نفسياً بسبب أن زوجها عاطل عن العمل

2011-01-22 10:54:45 | إسلام ويب

السؤال:
السلام عليكم.

أنا امرأة متزوجة من رجل شاء الله تعالى أن ترك عمله بعد الخطبة، ولعلمي بأخلاقه ودينه لم أتركه، وأتممنا العقد والزواج على أمل أن الله سيرزقه بعمل، مع العلم أنه أتم إجراءات الزواج من أموال كان يدخرها، وطلب مني أن أساعده ببعض أموالي على سبيل الدين، حيث إنني أعمل وراتبي ممتاز، ونحن الآن متزوجون لنا عام ونصف، ولنا طفلة، وأقوم أنا بالإنفاق على البيت، ولكني عندما أرى أن أحوالي هكذا أتعب نفسياً، وأقارن نفسي بأخواتي وأقاربي فهم مرتاحون مادياً، وأنا التي أنفق على البيت، مما كان له الأثر النفسي السيئ علي، علماً بأني لا أخبر أحداً بما يحصل في بيتي، وأدعو الله دائماً أن يفرج علينا.

ملاحظة: زوجي يعمل كل ما يستطيع، ولكن لحكمة لا يعلمها إلا الله لم يجد عملاً، علماً بأنه يحمل شهادة عالية، وهو مجتهدٌ بشهادة أساتذته، وسؤالي لكم: هل أبقى على ما أنا عليه، أم أن الله يعاقب زوجي، وليس له حكم علي بما أنه لا ينفق علي ولا على ابنتي؟

إني أثق بكم وبموقعكم الكريم، ولا أريد أن أُقلق أهلي، فبماذا تنصحوني؟



الإجابــة:

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ كريمة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإنه ليسرنا أن نرحب بك في موقعك إسلام ويب فأهلاً وسهلاً ومرحباً بك، وكم يُسعدنا اتصالك بنا في أي وقت وفي أي موضوع، ونسأل الله جل جلاله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يبارك فيك، وأن يُثبتك على الحق، وأن يُكثر من أمثالك، وأن يجعلك عوناً لزوجك على ظروف الحياة الصعبة، وأن تكوني سنداً ومعيناً له على أمر دينه ودنياه.

وبخصوص ما ورد برسالتك - أختي الكريمة الفاضلة - فإني أحيي فيك بدايةً هذه الروح الإسلامية الراقية، وهذا الوفاء، وهذا الإخلاص، وهذا الحب، وهذا الأدب؛ لأن ما تقومين به مع زوجك من الأمور العظيمة خاصةً في هذا الزمان عندما تقارن المرأة بينها وبين جاراتها وقريباتها وأخواتها اللواتي يتمتعن بوضعٍ مالي ممتاز، وهي تقوم بعمل اثنين معاً، تقوم بعمل الرجل وعمل المرأة، وتتولى الإنفاق على نفسها وزوجها وابنتها، فهذه امرأة عظيمة قطعاً لها شأنٌ عظيمٌ عند الله تبارك وتعالى، وأحب أن أقول لك أختي الكريمة: إن ما تقومين به لن يضيع أبداً عند الله تبارك وتعالى.

ثانياً: إن ما تقومين به إنما هو نوع من التضحية التي تقوم بها المرأة الأصيلة الفاضلة التي تدعم زوجها بكل ما أوتيت من قوة، خاصةً إذا علمت أنه ليس مقصّراً في شيء. نعم إني أقول لك: من حقك أن تتألمي، ومن حقك فعلاً أن تصيحي وأن تعترضي إذا كان زوجك رجلاً متكاسلاً لا يُحب العمل وأمامه الفرص العديدة التي يضيعها لرغبته في النوم والكسل، أما زوجك فأنت تقولين أنه يعمل كل ما يستطيع، وأنه رجلٌ يحمل شهادةً عالية، وأنه مجتهدٌ بشهادة أساتذته، وأنه ما ترك فرصة إلا وذهب إليها، ولا ترك عملاً مناسباً إلا وحاول أن يقوم به، إلا أن هذه أقدار الله تعالى.

مسألة أن الله يعاقب زوجك، هذه أيضاً ليست قطعية؛ لأن سعة الأرزاق وضيق الأرزاق لا علاقة لها بهذه المسائل، فكم من عصاةٍ مجرمين فجرة وهم يملكون المليارات وقد يكونوا على غير الإسلام؟! وكم من مسلمين صادقين يُضيق الله لهم لحكمةٍ يعلمها جل جلاله، ولعل هذا اختبار وامتحان من الله لك أنت شخصياً؛ ليختبر معدنك، وليختبر أصالتك، وليختبر صدق إيمانك هل أنت المرأة المباركة الفاضلة التي تزاحم السيدة خديجة على أبواب الجنة يوم القيامة أم لا؟ لأن السيدة خديجة أنفقت أموالها كلها على النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام عندما تفرغ للدعوة إلى الله تعالى، ففي أول الأمر كان يعمل النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يكون نبياً وقبل أن يُبعث، ثم لما منَّ الله تبارك وتعالى عليه بالنبوة والرسالة أصبح متفرغاً لدين الله تعالى، فأنفقت أموالها كاملة على بيتها ودعمها للنبي عليه الصلاة والسلام حتى لقيت ربها، أما تريدين أن تزاحمي هذه السيدة الفاضلة التي هي من سادات نساء العالمين يوم القيامة على أبواب الجنة؟

إن مثلك أختي الكريمة الفاضلة ينبغي أن يحمد الله تعالى على أن الله لم يجعلك ضعيفة أو ذليلة أو فقيرة تمدين يدك لأحد، لقد منَّ الله عليك بالراتب الممتاز حتى تقومين بستر نفسك وستر زوجك وستر بيتك، وأنا أشكر فيك أيضاً أنك لم تخبري أهلك بشيء، وأنا أتمنى أن يظل هذا الأمر كذلك دائماً؛ لأن الأهل عادة لا يتصفون بالإنصاف في كل المواقف، فإنهم قد يقولون لك كلمة تنغص عليك حياتك، أو تعكر عليك صفوك، أو تسيء إلى العلاقة بينك وبين زوجك، والآن الرجل يتعامل معك بالمعروف، ويتعامل معك بالفضل والعدل والإحسان بكل ما أوتي من صور التعامل، ولكن هذا قدر الله تعالى؛ لأن الله تبارك وتعالى قال: (( وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ ))[النحل:71] وقبل خلق السماوات والأرض -أختي الفاضلة كريمة- علم الله أن زوجك سوف يتزوج بامرأة راتبها ممتاز وتبتلى بهذا الابتلاء، وهو لا دخل له في ذلك، إنما يكون اللوم إذا قصّر أو تكاسل أو تقاعس، ويكون حينئذ من حقك أن تثوري على هذا الوضع الغير طبيعي، أما أنت الآن فتشهدين لزوجك بأشياء طيبة.

أنا أرى أن هذا ابتلاء لك وله، وأنه ينبغي عليك أن تصبري الصبر الجميل حتى تمر هذه العاصفة، واعلمي أن الليل مهما طال ظلامه لابد أن يأتي فجر يُبدد تلك الظلمات، وأن الحبل كلما شد وكلما قوي شده انقطع، فهذا الأمر بإذن الله تعالى له نهاية؛ لأن الله جل جلاله ما جعل شيئاً له بداية إلا وجعل له نهاية.

فأنا أنصحك بارك الله فيك أن تصبري على ما أنت فيه، وأن لا تقصري في حق زوجك، وأن لا تُظهري له أنك متبرمة أو معترضة على الوضع، وأن لا توبخيه أو تؤنبيه؛ حتى لا تفقدي أجرك وثوابك عند الله تعالى، وإذا كنت ستتصدقين بدينار على فقير أو مسكين فإنفاقك على زوجك وعلى ابنتك أعظم أجراً من الإنفاق في سبيل الله تعالى، وهذا ليس كلامي -أختي الكريمة- وإنما هو كلام النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: (أعظمها أجراً الذي تُنفقه على أهلك) ولقد شاء الله أن يوسع رزقك حتى يستر هذا الرجل، ولعله أراد به خيراً، ولكن كل الذي أنصح به أن تنصحي زوجك بصدق التوكل على الله وصدق اللجوء إليه، والبكاء مع الدعاء، وأن تساهمي أنت أيضاً في هذا المشروع الإيماني؛ لأن راتبك الممتاز هذا شأنه شأن أي شيء من الممكن أن يتأثر، وصحتك أيضاً من الممكن أن تتأثر، وصحة زوجك، والآن الحمد لله مشكلتكم تكمن في أن زوجك لا يعمل، أما بقية الأمور فهي طيبة، والرجل يعاملك معاملة حسنة، فأنا أرى أن تحمدي الله تعالى، فكم من هؤلاء اللواتي حولك أو من أمامك ومن خلفك يعيشون حياة رغدة مادية ولكنهم يعانون في بيوتهم معاملة قاسية، ولكنهم ليسوا بمستريحين أو مطمئنين نفسياً؛ لأنهم تزوجوا برجال يُسيئون معاملتهنَّ، أما أنت فابتلاك الله تبارك وتعالى في قضية زوجك المادية، ولكن الأمور الباقية كلها طيبة، فاحمدي الله تعالى على ذلك، واحمدي الله تعالى أن زوجك ليس رجلاً مدمناً للمخدرات، وأنه ليس رجلاً من الخونة الفجرة، وأن زوجك ليس من تارك الصلاة أو الذين يسبون الله والعياذ بالله، وأن زوجك لا يقيم علاقات غير مشروعة مع غيرك من النساء.. هذه نعم عظيمة أختي الكريمة ينبغي أن لا تُغفليها.

فأنا أقول: اصبري، وعليك بالدعاء أنت وزوجك، والإلحاح على الله تعالى أن ييسر الله له عملاً، ولا ينبغي أبداً أن تملي من هذا الأمر، أو أن تشعري بالندم؛ لأنك تزوجت رجلاً فاضلاً ولكن ظروفه جاءت على غير ما كان يُتمنى، ولكن احمدي الله على ذلك، واستري على نفسك، واستري على زوجك، واحمدي الله أن الله يسر لك هذا الراتب حتى تقومي برعاية الأسرة، وكل درهم تنفقينه على بيتك ثقي وتأكدي أن أجره عظيم عند الله تعالى، وأنك أفضل بذلك من المجاهدة في سبيل الله، فابقي على ما أنت عليه، واستمري عليه، وأحسني إلى زوجك، وأشعريه أن المال ماله وليس مالك أنت، وأعطيه دائماً رسائل إيجابية، وقولي له: (هذا قدر الله لا ينبغي أن تيأس أو تحزن؛ لأنك فعلت الذي عليك، فلا ينبغي أن تكدر خاطرك، وأنا مالي مالك، وروحي روحك، وحياتي حياتك، وسنظل معاً بإذن الله تعالى إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً).

أسأل الله أن يبارك فيك، وأن يثبتك على الحق، وأن يُيسر لزوجك عملاً طيباً مناسباً قريباً عاجلاً غير آجل، إنه جواد كريم.

هذا وبالله التوفيق.

www.islamweb.net