الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم رد الخاطب لإقامته في بلد فيها حروب ونزاعات

السؤال

هل يجوز رد خاطب تتوفر فيه الشروط التي أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم من دين وخلق لكونه من بلد مسلم فيه حرب ومتمسك بالعيش في بلده رغم الصعوبات التي فيها، ولا يرضى العيش في بلد غيره؟ وهل يعتبر القبول مخالفة لقوله تعالى: ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالأصل قبول إنكاح الخاطب إذا كان صاحب خلق ودين وعدم رده إلا لمانع معتبر، لحديث أبي هريرة مرفوعا : إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ. رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني.

إلا أن هذا الحديث لا يقتضي إيجاب إنكاح كل خاطب ذي دين وخلق مهما كان حاله، فالحديث وارد لبيان معيار الكفاءة المعتبر في اختيار الزوج، فهو مثل حديث: فاظفر بذات الدين تربت يداك ـ فقد دلت السيرة العملية للنبي صلى الله عليه وسلم على جواز رد صاحب الدين والخلق إذا وجد مانع معتبر كفارق السن الكبير والفقر الشديد، كما رد النبيّ صلى الله عليه وسلم خطبة أبي بكر وعمر لفاطمة ابنته، ففي سنن النسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قَالَ: خَطَبَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ فَاطِمَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا صَغِيرَةٌ ـ فَخَطَبَهَا عَلِيٌّ فَزَوَّجَهَا. صححه الحاكم والألباني.

وكما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت قيس لمّا قضت عدتها من طلاق أبي عمرو بن حفص فخطبها معاوية بن أبي سفيان ـ أرشدها إلى رد خطبته لفقره قائلا: وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لَا مَالَ لَهُ. رواه مسلم.

ولذلك حمل بعض شراح الحديث الأمر فيه بالتزويج على الاستحباب، كما بيناه في الفتوى رقم : 75061 .

ومن الموانع المعتبرة في رد الخاطب وإن كان صاحب دين وخلق إخلاله بحقوق الزوجية، فمن حق الزوجة إسكانها في مكان آمن، فإذا كان الخاطب المذكور في السؤال عازما على إسكان زوجته في منطقة غير آمنة وظروف معيشة صعبة فلاحرج على وليها أن يرد الخاطب، لما في قبول ولي المرأة لإنكاحها في هذه الحالة من تعريض موليته للهلكة والضياع وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت. وحسنه الألباني.

وأما إن كان عازما على إسكانها في مناطق آمنة تتوفر فيها الأقوات، فلا ينبغي رده لمجرد قيام الحرب في بلده، لاسيما وقد كثرت الحروب في ديار أهل الإسلام في الآونة الأخيرة حرسها الله وسلمها، كما أنه إذا كان غرض الخاطب من إقامته في بلده ـ التي تدور بها رحى الحرب ـ المشاركة في الدفاع عن أرضه وعرضه والجهاد المشروع في سبيل الله تعالى، ورغبت المرأة في إعانة المجاهدين وتمريض المصابين وإغاثة الملهوفين فليس في قبول خطبته والحال هذه مخالفة، لقوله تعالى: وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {البقرة:195}.

وقد صحح جمع من المفسرين أن مراد الآية هو النهي عن تعريض النفس لعذاب الله بترك تكاليفه التي أوعد تاركها بالهلكة كترك النفقة والجهاد، قال شيخ المفسرين الطبري: الصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله نهى عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا، والاستسلامِ للهلكة ـ وهي العذاب ـ بترك ما لزمنا من فرائضه، فغيرُ جائز لأحد منا الدخول في شيء يكرهه الله منا، مما نستوجب بدخولنا فيه عَذابَه. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني