الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما سوى الله مخلوق محدث بعد أن لم يكن

السؤال

كتب أحدهم في أحد المنتديات ما يلي، فكيف نرد عليه؟
(هذا جزء من نونية ابن زفيل، والشرح لتابع له يسمى "خليل هراس")، وهو يتناول موضوع القدم النوعي، إذ القدم النوعي عند ابن زفيل وشيخه ابن تيمية من أساسيات الدين، وملخصه كما قال هرّاس" وأما النوع فهو مستمر أزلاً وأبداً بلا ابتداء ولا انتهاء" لاحظوا... مستمر أزلاً، وقولهم هذا خروج سافر عن العقيدة
---------------------------------------------------------------------------
ما قال ذو عقل بأن الفرد ذو **** أزل لذي ذهـن ولا أعيان
بل كل فرد فهـو مسبـوق **** بفرد قبله أبـداً بلا حسبـان
ونظير هذا كـل فـرد فهو **** ملحوق بفرد بعـده حكمان
النـوع والآحـاد مسبـوق **** وملحوق وكل فهو منها فان
والنوع لا يفنى أخـيراً فهـو **** لا يفنى كذلـك أولاً ببيـان
وتعاقب الآنات أمر ثابت **** في الذهن وهو كذاك في الأعيان
---------------------------------------------
الشرح
هذا رد لتلك الشبهة التي بنى عليها الأشعري وموافقوه الفرق بين الدوام في جانب الأزل وبين الدوام في جانب المستقبل، وملخص الدفع أن هذه التفرقة مغالطة وتلبيس لا يروح إلا على السذج البسطاء من الجهلة وأنصاف العلماء، إذ لم يقل أحد من العقلاء الذين ذهبوا إلى دوام فاعلية الرب تعالى وتسلسل أفعاله ماضياً ومستقبلاً أن شيئاً من أعيان المخلوقات وأفرداها قديم، لا ذهناً ولا خارجاً، بل قالوا إن كل فرد منها فهو مسبوق بفرد قبله إلى غير بداية يمكن أن يحصرها العد والحساب، مع قولهم بأن كل فرد منها حادث.
ونظير هذا قولهم إن كل فرد فهو ملحوق بفرد آخر يجيء بعده بلا نهاية، كذلك فالآحاد كلها لها ابتداء وانتهاء، سواء في ذلك السابق منها واللاحق، وأما النوع فهو مستمر أزلاً وأبداً بلا ابتداء ولا انتهاء.
وقس ذلك على آنات الزمان، وهي أجزاؤه، فإنها تتعاقب في الوجود شيئاً بعد شيء لا إلى نهاية مع امتدادها كذلك في جانب الأزل بلا بداية، فليست تبتدئ من آن هو أول الآنات، ولا تنتهي إلى آن هو آخرها، مع أن كل آن منها له بداية وانتهاء، لأنه واقع بين آنين، فكل آن منها يبتدئ من نهاية الآن الذي قبله بابتداء الذي بعده، ومع ذلك فجملة الآنات لا أول لها ولا آخر لا في الذهن ولا في الخارج.
فكل فرد من أفراد المخلوقات حادث موجود بعد أن لم يكن.
وأما النوع الذي هو من لوازم الكمال، لأنه وصفه تعالى، فلا مبتدأ له ولا منتهى، بل لم يزل الله فعالاً لما يريد، لأنه لا يمكن أن يكون في وقت من الأوقات فاقداً لشيء من الكمال.
أفيدونا، وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن هذه الأبيات من نونية الإمام ابن القيم المسماة الكافية الشافية، والإمام ابن القيم لا يطلق عليه لقب ابن زفيل، فإن ذلك لا يعرف عنه، وإنما نبزه بذلك بعض المخالفين له، ولقد بحث الشيخ بكر أبو زيد في كتابه: ابن القيم حياته وآثاره وموارده، أصل هذه التسمية، فقال بعد أن بسط البحث: إذن فالمتحصل بعد هذا التبسيط أن هذا النبذ( ابن زفيل )لا حقيقة له فيما أعلم. اهـ.

ثم إن هذه المسألة التي تسأل عنها هي من المسائل الدقيقة التي لا ينبغي أن يشتغل بها عوام المسلمين، وهي ليست من أسياسات الدين، كما يدعي أصحاب ذلك المنتدى الذي ذكرها، وإنما تكلم فيها شيخ الإسلام ابن تيمية ليبين بطلان مذهب الفلاسفة وضعف أدلة المتكلمين حول إثبات الصانع وحدوث العالم، وهي مباحث عويصة، قال عنها شيخ الإسلام في منهاج السنة النبوية: إنها من محارات العقول، أي من المسائل التي تحير العقول، بل إنه قال عن بعض مسائلها إنها من الكلام المذموم.

هذا، وإن مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية بل مذهب أهل السنة، والحديث هو القول بجواز حوادث لا أول لها، وليس في ذلك موافقة للفلاسفة الذين يقولون بقدم العالم، فإن شيخ الإسلام قد قرر في مناسبات عديدة أن ما سوى الله محدث مخلوق كائن بعد أن لم يكن، وأن كل قول يخالف ذلك هو قول باطل، وهو إنما يقرر ذلك ليبين أن مذهب السلف مخالف لما قد يتوهمه بعض المتكلمين من أن القول بحدوث العالم لا يتم ولا يصح إلا بأن يقال إن الله سبحانه كان معطلاً عن الفعل ثم فعل، وإلا لزم القول بقدم العالم كما يقول الفلاسفة، وهذا الظن من المتكلمين ظاهر البطلان.

ولا ريب أن المسألة بتفصيلاتها ولوازمها دقيقة المنزع وعرة المسالك، بعيدة الغور، إلا أننا نذكر خلاصة ما يجب على المسلم لا سيما طالب العلم معرفته في هذا الشأن، وهو هذه الأمور:

1- أن الله تعالى هو الأول الذي ليس قبله شيء.

2- أن الله تعالى متصف بصفات الكمال أزلاً وأبداً، ومنها كونه خالقاً لما يشاء متى شاء، فعال لما يريد، فلم يأت عليه زمن كان معطلاً فيه عن الخلق أو الكلام أو غير ذلك من صفات كماله ونعوت جلاله.

3- أن كل ما سوى الله تعالى مخلوق له مربوب كائن بعد أن لم يكن. وبعد هذا إن تمكن طالب العلم من فهم كلام شيخ الإسلام وأدلته التي رد بها على الفلاسفة الدهرية وعلى المتكلمين واستطاع أن يميز بين النوع والآحاد ويبين حكم الواحد وحكم المجموع، فقد انكشف له أصل المسألة، وإن لم يفهمه فلا يضره الوقوف بالساحل، وإنما الضير في التخبط بلا هدى.

هذا، وإنك تجد هذه المسألة بتفصيلاتها، وتجد بيان شيخ الإسلام للمذهب الذي تؤيده النصوص في كتاب موقف ابن تيمية من الأشاعرة للدكتور عبد الرحمن المحمود.

هذا، وإننا ننصحك بعدم التردد على المنتديات التي لا تعظم منهج السلف ولم يصف نبعها، فإن الخطأ في مسائل الاعتقاد مردٍ، وصاحبه على شفا هلكة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني