الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مات وهو يشرب الخمر... ما مصيره؟

السؤال

هل نسطيع الحكم على شخص قد توفي وهو فى حالة شرب(خمر) أن نهايته النار؟ علماً بأنه كان طالب علم ويصلى ويصوم، وهل يشفع له عمله الصالح يوم القيامة؟ وشكرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فقد وردت أحاديث عدة في وعيد شارب الخمر إذا مات غير تائب منها، ومن ذلك ما رواه الإمام مالك رحمه الله من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر في الدنيا، ثم لم يتب منها حُرمِها في الآخرة فلم يُسقها".
ومع ذلك، فلا يمكن الحكم على من مات وهو شارب للخمر بأنه من أصحاب النار، ولا يحكم كذلك على كل من مات على أي معصية - غير مستحل لها - أنه من أصحاب النار.
فقد نقل في شرح العقيدة الطحاوية عن أبي حنيفة رحمه الله قوله: ( وأما الشخص المعين إذا قيل: هل تشهدون أنه من أهل الوعيد؟ فهذا لا نشهد عليه إلا بأمر تجوز معه الشهادة، فإنه من أعظم البغي أن يشهد على معين أن الله لا يغفر له، ولا يرحمه، بل يخلده في النار).
وقد روى أبو داود بإسناد حسن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب، والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب... حتى قال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالماً؟ أو كنت على ما في يدي قادراً؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار".
قال ابن تيمية رحمه الله: ( فالذنوب لا توجب دخول النار مطلقاً إلا إذا انتفت الأسباب المانعة من ذلك، وهي عشرة، منها: التوبة، ومنها الاستغفار، ومنها الحسنات الماحية، ومنها المصائب المكفرة، ومنها شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها شفاعة غيره، ومنها دعاء المؤمنين، ومنها ما يهدى للميت من الثواب والصدقة والعتق، ومنها فتنة القبر، ومنها أهوال يوم القيامة، ثم قال: فمن جزم في واحد من هؤلاء بأن له ذنباً يدخل به النار قطعاً، فهو كاذب مفتر).
وقد أخرج البخاري من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إن رجلاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان اسمه عبد الله، وكان يلقب بالحمار، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأُتي به يوماً، فأمر به فُجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنوه، فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله".
وعلى هذا لا يصح أن نحكم على الذي ذكرت في سؤالك أنه مات وهو يشرب الخمر أنه من أهل النار بعينه، بل إن ما معه من الأعمال الصالحة من الصلاة والصيام، وأعظم من ذلك الشهادتين يرجى أن يرفعه الله بها، ويعفو عنه.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني