الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالمرور بين يدي المصلي لا يجوز في الأصل للأحاديث الدالة على تحريم المرور بين يدي المصلي كما بيناه في الفتوى رقم: 129529، وهل يستثنى من ذلك مكة أو المسجد الحرام؟ قولان لأهل العلم: أولهما: لا يجوز المرور بين يدي المصلي ولو في المسجد الحرام ومكة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى كما في مجموع فتاواه: يأثم الإنسان إذا مر بين يدي المصلي مطلقاً في مكة وفي غيرها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً من أن يمر بين يديه. وأمر المصلي أن يدفعه إذا أراد المرور بين يديه، وهذا عام يشمل مكة وغيرها، وقد ترجم البخاري على ذلك في صحيحه فقال: باب السترة بمكة وغيرها. إلا أن أهل العلم يقولون: إذا صلى الإنسان في مكان يحتاج الناس إلى المرور به كالطريق فإن الجناية منه، لأن الحق للمارة، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يصلي في مكان الطواف ويمنع الناس، ولا يلزم الناس أن يتحاشوا من المرور بين يديه، لأنه هو الذي وقف يصلي في مكانهم. انتهى.
والقول الأخير: يجوز المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام ومكة.
جاء في الموسوعة الفقهية: المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام: ذهب الحنفية إلى أنه لا يمنع المار داخل المسجد الحرام... وقال المالكية: إن كان في المسجد الحرام حرم المرور إن كان له مندوحة وصلى لسترة، وإلا جاز هذا إذا كان المار غير طائف، وأما هو فلا يحرم عليه مطلقاً... وقال الحنابلة: المصلي بمكة المشرفة لا يرد المار بين يديه. قال أحمد: لأن مكة ليست كغيرها لأن الناس يكثرون بها ويزدحمون فمنعهم تضييق عليهم، ولأنه صلى الله عليه وسلم صلى بمكة والناس يمرون بين يديه وليس بينهما ستر، وألحق الموفق بمكة سائر الحرم لمشاركته لها في الحرمة، وقال الرحيباني: إنما يتمشى كلام الموفق في زمن حاج لكثرة الناس واضطرارهم إلى المرور، وأما في غير أيام الحج فلا حاجة للمرور بين يدي المصلي للاستغناء عنه، وكلام أحمد يمكن حمله على الصلاة في المطاف أو قريباً منه وهو متجه.... انتهى مختصراً.
وجاء في مجموع فتاوى ابن باز رحمه الله تعالى: أما المسجد الحرام فلا يحرم فيه المرور بين يدي المصلي ولا يقطع الصلاة فيه شيء من الثلاثة المذكورة ولا غيرها، لكونه مظنة الزحام ويشق فيه التحرز من المرور بين يدي المصلي، وقد ورد بذلك حديث صريح فيه ضعف ولكنه ينجبر بما ورد في ذلك من الآثار عن ابن الزبير وغيره. وبكونه مظنة الزحام ومشقة التحرز من المار -كما تقدم- ومثله في المعنى المسجد النبوي وغيره من المساجد إذا اشتد فيه الزحام وصعب التحرز من المار، لقول الله عز وجل: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ. وقوله سبحانه: لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما نهيتكم عنه فاجتنبوه وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم. متفق على صحته... انتهى.
وهذا ما أفتت به اللجنة الدائمة أيضاً في الفتوى رقم: 1752. وعلى هذا القول يجوز المرور بين يدي المصلي في مسجد الخيف عند الزحام وحصول مشقة بعدم المرور، ومسجد الخيف داخل حدود الحرم ولا شك في أن تحاشي المرور أفضل على كل حال.
والله أعلم.