الرياء في العبادات التي شرعت لتعظيم الله تعالى وتحصيل رضاه وفيما وضع لمنافع الدنيا

27-2-2012 | إسلام ويب

السؤال:
أريد توضيح وتصحيح فهمي في مفهوم العبادة، فماهي العبادة التي إذا دخل عليها الرياء أحبطها ويأثم الشخص إن طلب أجر الدنيا وثوابها الذي يوقع في الشرك الأصغر؟ لأن معاملتي أصبحت متغيرة وأوسوس وأخشى الوقوع في الشرك الأصغر، فالعبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، وبعض الأشياء داخلة في الغالب في حظوظ الدنيا، وقد يكون فيها معنى العبادة ويكون الدافع الأساس لشخص هو أمر دنيوي مثل: الزواج، ففي أكثر الأحيان يكون الدافع هو التمتع وقضاء الشهوة والتلذذ ولا يقصد أجرا أو ما شابهه، الإنفاق: فتجد الإنسان ينفق على أساس أنه متعود عليه ويريد به كسب الآخرين إما زوجة أو أبناء والابتسامة: هي عاده تعود عليها الإنسان وتكون في أكثر الأحيان لسبب دنيوي وفي الغالب يقصد الناس ذلك لكسب المحبة والمودة والمعاملة الحسنة وهي لغرض دنيوي، والمعاملة الحسنة: الإنسان الأصل في معاملته الخير ويفعلها لمجرد العادة وقد يقصد بذلك غرضا دنيويا يعامل الناس لكي يكسب مودة واحتراما ولكي يعاملوه بالمثل، إكرام الضيف: هو عادة عربية وأقرها الدين الإسلامي فغالبا يكرم ضيفه من باب عادة الكرم ولكي يقابل بالمثل، وهي طلب ثواب أشياء دنيوية، والهدية والهبة، يقدم الإنسان الهدية لكسب الحب أو لكسب مصلحة أو لدفع شر، وهي جميعها أغراض دنيوية، صلة الرحم: يصل رحمه لكي يكسب مودتهم وحبهم ويحصل اتصال مستمر في الحياة وقد يذهب بعض الأحيان لأخذ غرض دنيوي، مساعدة الآخرين: تكون في الغالب من باب الأخوة والصداقة أو الفزعة وليساعده الناس بدون قصد الأجر، فجميع ما يعمله الإنسان بالفطرة يكون الغالب فيه هو دافع دنيوي وليس لطلب الأجر والثواب، وهناك أشياء كثيرة ترتبط معاملتها بالناس تكون في نفس المفهوم، لأنها أشياء تعود عليها وبعضهم يأخذها من باب العادة، لأنه قد لا يكون فاهما لمفهوم العبادة، والناس منهم العالم في الدين والعامي، أما الطفل أو الشخص غير المثقف في أمور الدين فهم ليس جميعهم يعلمون الأحاديث وأمور الدين فتجد الشخص لا ينوي الأجر إلا إذا سمع حديثا عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو من كلام الله فينوي الأجر عن الكل في لحظة واحدة وفي وقت العمل يكون الدافع دنيوي، وغالب الناس ـ إن لم يكون أكثرهم وأنا كنت منهم ـ يفهم أن العبادة تقتصر على أمور في أصول الدين كالصلاة والصيام والصدقة والحج والزكاة والجهاد والذكر وأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر وفعل الواجب وترك المحرم، فهو لا يقصد الرياء ولا السمعة فيها ولا يعمل لأجل الدنياء فيها فهي لا ترتبط بالناس في كسب شيء أو معاملات الناس وتكون لله جل جلاله حتى ولو كان فيها كسب أو ثواب وخير عاجل في الدنيا فتكون تابعة ويكون الأصل أجر الآخرة، أريد أن تشرحوا لي وتبينوا مما سبق ثم تجيبوا عن هذه الأسئلة:
س: 1ـ إذا فعلت هذه الأشياء: الزواج والإنفاق والابتسامة وإكرام الضيف وغيرها مما سبق ـ ولم أنو الأجر، فهل أأثم أو أؤجر؟.
س:2ـ هل إذا أردت أن يقال عني فلان تزوج أو فلان كثير الإنفاق سخي، أو فلان معاملته حسنة ودائما مبتسم، فلان يكرم الضيف أو فلان أهدى لي هدية أو فلان لا يقطعنا واصل، فهل أعتبر وقعت في الشرك الأصغر ـ الرياء؟ أم أن عمله محبط وليس له أجر ولا إثم؟.
س: 3ـ هل الزواج والإنفاق والابتسامة والمعاملة وإكرام الضيف وإهداء الهدايا وصلة الرحم لو كان الدافع للحصول على أمر دنيوي ولم ينو الأجر من الله كما في الأمثلة التي ذكرتها في السابق يعتبر صاحبها وقع في الشرك الأصغر أو أنه ليس له أجر ولا إثم وأجره هو الذي حصل عليه في الدنيا؟.
س: 4ـ ما هي العبادة التي إذا أراد بها الدنيا وقع في الشرك الأصغر؟.
س: 5ـ هل النية في صلة الرحم وغيره تكون دائما كل ما وصلت رحما أحدث نفسي أنني أبغي الأجر فقط، أو أنها تكون منعقدة دائما وأنني أبتغي الأجر، لأن الإنسان يفعل بعض الأشياء وهو في نفس اللحظة التي يزور فيها أقاربه وإنما تكون منعقدة في قلبه منذ زمان خاصة لو كانت عادة لشخص الزيارة؟.
س: 6ـ الإنسان يذهب إلى أقاربه بعض الأحيان لكي يأخذ من أقاربه شيئا دنيويا من مال أو غرض مادي ولم ينو أجرا، فهل يأثم أي وقع في الشرك؟.
س: 7ـ لو نوى بعمل مباح نية الأجر ودخل عليه الرياء مثل أن أمازح شخصا لكي أدخل السرور على مسلم بنية الأجر ودخل عليها الرياء أريد أن يقولوا فلانا حسن الخلق، فهل أقع في الذنب؟ أم أنه يحبط العمل فقط وليس لي أجر ولا إثم؟.
أتمنى أن أكون أوضحت الإشكال الذي ورد لي في فهم العبادة وغيره لكي تتمكنوا من الإجابة وأتمنى أن تعطوا رسالتي اهتماما وتجيبوا على جميع الأسئلة حتى يتضح لي حتى أتجنب الوقوع في الشرك الأصغر، وشكرا.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فينبغي التفريق في باب الرياء بين العبادات المحضة التي لم توضع إلا لتعظيم الله تعالى وتحصيل رضاه، كالصلاة والذكر والصيام والحج، وبين غيرها من الأعمال التي وضعت بالأساس لأمور المعاش ومنافع الدنيا، ثم لحقها معنى العبادة بوضع الشرع ونية العامل، كالزواج وحسن العشرة وإكرام الضيف وصلة الرحم والهدية ونحو ذلك، فالعبادات المحضة يأثم من يرائي بها، وأما غيرها فلا يأثم من يرائي بها، وإن كان الثواب عليها لا يكون إلا مع حسن النية، قال الخادمي في بريقة محمودية: اعلم أن الرياء بعمل الدنيا كما أشير إليه سابقا كالشجاعة والحذاقة في نحو الكتابة والخياطة وغيرها مما وضع لعمل الدنيا لا يحرم إن خلا عن التلبيس بأن يظهر الشجاعة في أمر وليس له شجاعة في الواقع.... وأما الرياء في العبادة التي كانت مشروعيتها لمجرد تعظيم الله وتحصيل رضاه فحرام كله بجميع أنواعه. اهـ.

وقال ابن عبد البر في التمهيد: في قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: إيمانا واحتسابا ـ دليل على أن الأعمال الصالحة إنما يقع بها غفران الذنوب وتكفير السيئات مع صدق النيات، يدلك على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنيات ـ وقوله لسعد: لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت فيها ـ ومحال أن يزكو من الأعمال شيء لا يراد به الله. اهـ.

وقال عن حديث سعد: فيه دليل على أن الأعمال لا تزكو عند الله إلا بالنيات لقوله: وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت فيها ـ فدل على أنه لا يؤجر على شيء من الأعمال إلا ما ابتغى به وجهه تبارك وتعالى. اهـ.

ومن القواعد المقررة قاعدة: لا ثواب إلا بالنية ـ قال الشيخ وليد السعدان في تحقيق قواعد النية ضمن أدلة هذه القاعدة: ومن الأدلة أيضاً حديث أبي مسعود البدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة ـ متفق عليه، وهذا بيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجر من يقصد ثواب الله عز وجل حتى في الإنفاق على أهله، فإن الإنفاق عليهم من الواجبات، ومتى قصد به العبد الطاعة لله تعالى والابتغاء لثوابه سبحانه، فذلك صدقة له عند الله جل وعلا، أما إن قصد به إسقاط المؤاخذة فهذا تسقط عنه المؤاخذة، ولكن لا أجر له، لأنه لم يحتسبها عند الله تعالى، فقوله في الحديث: يحتسبها ـ خرج مخرج الشرط والأصل إعماله، فدل ذلك على أنه لا ثواب إلا بنية، فالأجر في الإنفاق إنما يحصل بقصد القربة سواءً كانت واجبة أو مباحة، وأما مفهومه أن من لم يقصد القربة لم يؤجر، ومفهوم المخالفة معتمد في الأصول على القول الصحيح… ومن الأدلة أيضاً حديث أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين ــ الحديث، وفيه: ورجل كان عنده جارية وضيئة فأدبها فأحسن أدبها ثم أعتقها ثم تزوجها يبتغي بذلك وجه الله فذلك يؤتى أجره مرتين ـ رواه البخاري ومسلم والترمذي واللفظ له، فهذا الرجل إنما آتاه الله أجره مرتين، لأنه ابتغى بفعله ذلك وجه الله وثوابه والدار الآخرة، ولو قدر أنه لم يبتغ بذلك وجه الله تعالى لما قلنا: إنه يؤتى أجره، وذلك لتخلف الشرط وهو ابتغاء وجه الله تعالى، وهذا يفيدك أنه لا ثواب إلا بالنية. اهـ.

وذكر ضمن فروع هذه القاعدة: أن أداء الحقوق الواجبة عليه تجاه الخلق كالديون ونحوها إذا أدت بالنية الحسنة الصالحة فإنه يثاب على هذا الأداء، وأما إذا أداها من غير استشعار لهذه النية، أو أداها قهراً بحكم الحجر عليه ونحو ذلك، فإنه لا يستحق على ذلك أجراً وثواباً، لأن الثواب مربوط بالنية فلا ثواب إلا بنية، ولا يعني هذا أن أداءه لها لا يصح، لأن أداء هذه الحقوق لا يفتقر لنية في صحته، وإنما يفتقر للنية ليترتب عليه الأجر والثواب، فإذا نوى الخير أثيب على ذلك وإذا لم ينو شيئاً فلا ثواب له. اهـ.

وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: قد صح الحديث بأن نفقة الرجل على أهله صدقة... وهذا قد ورد مقيدا في الرواية الأخرى بابتغاء وجه الله... فتحمل الأحاديث المطلقة عليه، والله أعلم، ويدل عليه أيضا قول الله عز وجل: لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما { النساء: 114} فجعل ذلك خيرا، ولم يرتب عليه الأجر إلا مع نية الإخلاص. اهـ.

وبهذا يتضح الفرق بين الحكم بصحة العمل وبين الحكم بحصول الثواب عليه، فالأعمال التي هي في الأصل عادات وتقع لجميع الناس مسلمهم وكافرهم، كالنكاح وصلة الأرحام وإكرام الضيف والتهادي ونحو ذلك، لا تفتقر إلى نية كي تكون صحيحة، ولكن حصول الثواب عليها إنما يكون باعتبار النية، وقد ذكر الشاطبي في الموافقات مثل هذه الأعمال فقال: هو أن يكون العمل إصلاحا للعادات الجارية بين العباد، كالنكاح، والبيع، والإجارة، وما أشبه ذلك من الأمور التي علم قصد الشارع إلى القيام بها لمصالح العباد في العاجلة، فهو حظ أيضا قد أثبته الشارع وراعاه في الأوامر والنواهي وعلم ذلك من قصده بالقوانين الموضوعة له، وإذا علم ذلك بإطلاق، فطلبه من ذلك الوجه غير مخالف لقصد الشارع فكان حقا وصحيحا، هذا وجه، ووجه ثان: أنه لو كان طلب الحظ في ذلك قادحا في التماسه وطلبه، لاستوى مع العبادات كالصيام والصلاة وغيرهما في اشتراط النية والقصد إلى الامتثال، وقد اتفقوا على أن العادات لا تفتقر إلى نية، وهذا كاف في كون القصد إلى الحظ لا يقدح في الأعمال التي يتسبب عنها ذلك الحظ، بل لو فرضنا رجلا تزوج ليرائي بتزوجه، أو ليعد من أهل العفاف، أو لغير ذلك، لصح تزوجه، من حيث لم يشرع فيه نية العبادة من حيث هو تزوج فيقدح فيها الرياء والسمعة، بخلاف العبادات المقصود بها تعظيم الله تعالى مجردا، ووجه ثالث: أنه لو لم يكن طلب الحظ فيها سائغا، لم يصح النص على الامتنان بها في القرآن والسنة كقوله تعالى: ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها { الروم: 21} وذلك أن ما جاء في معرض مجرد التكليف لا يقع النص عليه في معرض الامتنان، لأنه في نفسه كلفة وخلاف للعادات وقطع للأهواء، كالصلاة والصيام والحج والجهاد. اهـ.

وقد سبق أن نبهنا على أن الهدية وطيب الكلام والتبسم وحسن المعاشرة وصلة الرحم، من فعل شيئا منها بغير نية أو بنية دنيوية، فليس مرائيا وليس عليه إثم، وإن فاته الأجر، فراجع الفتوى رقم: 168889.

وقد فرق بعض أهل العلم بين الأعمال القاصرة والأعمال المتعدية، من حيث حصول الثواب، فقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن الإنسان إذا لم يقلب المباحات إلى عبادات، هل ينال الأجر؟ فأجاب: إذا فعل المباح ولم ينوِ أنه عبادة فليس فيه أجر، إلا إذا كان فيه نفع متعدٍ، مثل: أن يطعم الإنسان أهله الذين تجب عليه نفقتهم فيطعمهم، فهنا قد لا يستحضر النية ويكون له الأجر، وكذلك إن زرع حباً أو غرس نخلاً فأصاب منه طير أو دابة أو إنسان فإنه يكتب له الأجر. اهـ.

وأما ضابط الشرك الأصغر فراجع فيه الفتوى رقم: 135006.

ولمزيد الفائدة عن ذلك يمكن الاطلاع على الفتوى رقم: 150461.

وأما مسألة الاكتفاء بالنية السابقة والحاجة إلى تجديدها، فلا شك أن تجديد النية أكمل وأعظم، ولكن من يذهل عن ذلك لا يحرم من أصل الثواب ـ إن شاء الله تعالى ـ حتى لقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المسلم يؤجر مطلقا وإن عمل بغير نية، قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم: قال أبو سليمان الداراني: من عمل عمل خير من غير نية كفاه نية اختياره للإسلام على غيره من الأديان، وظاهر هذا أنه يثاب عليه من غير نية بالكلية، لأنه بدخوله في الإسلام مختار لأعمال الخير في الجملة، فيثاب على كل عمل يعمله منها بتلك النية. اهـ.

وقد سبق لنا في الفتوى رقم: 120085، بيان أن النية يجب استصحاب حكمها، ولا يجب استصحاب ذكرها، بمعنى أنه يكفيه أن لا يقطع نيته بما يناقضها وإن لم يتذكرها، وتجد في هذه الفتوى الإشارة إلى قاعدة: استصحاب حكم النية شرط واستصحاب ذكرها فضيلة، وراجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتويين رقم: 128169، ورقم: 80648

والله أعلم.

www.islamweb.net