حكم من اتهم غيره كذبا بأنه مارس معه اللواط

16-10-2014 | إسلام ويب

السؤال:
إذا شاهدتُ أحدًا يفعل اللواط بآخر بالقوة، ولم أخبر أحدًا خشية أن يضربوني، أو أن يفعلوا بي أنا أيضًا، فهل لهذا الشيء حدٌّ أو أدخل السجن بسببه؟ وهل إذا كذب أحد، وقال: إن أحدًا فعل به اللواط، وهو كاذب، فهل له حدٌّ أم لا؟

الإجابــة:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الواجب على مشاهد المنكر أن ينهى عن المنكر بقدر استطاعته؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.

ولا يأثم العاجز عن الإنكار ما دام كارها للمنكر، عاجزا عن إنكاره بسبب خوفه من الاعتداء عليه، ولكنه يجب عليه مفارقة مكان المنكر، ففي الحديث: إذا عملت الخطيئة في الأرض، كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها. رواه أبو داود.
قال ابن رجب الحنبلي في شرح الأربعين النووية: وأمَّا الإنكارُ باللسان واليد، فإنَّما يجبُ بحسب الطاقةِ، وقال ابنُ مسعود: يوشك مَنْ عاش منكم، أن يرى منكرا لا يستطيعُ له غيرَ أن يعلمَ اللهُ من قلبه أنَّه له كارهٌ. وفي سنن أبي داود: عن العُرس بن عَميرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: إذا عُمِلَت الخطيئةُ في الأرض، كان من شَهدَها فكرهها كمن غاب عنها، ومَنْ غابَ عنها فرَضِيها كان كمن شهدها. فمن شَهِدَ الخطيئةَ، فكرهها بقلبه، كان كمن لم يشهدها، إذا عَجَز عن إنكارها بلسانه، ويده. ومن غاب عنها فرضيها، كان كمن شهدها، وقدر على إنكارها ولم ينكرها؛ لأنَّ الرِّضا بالخطايا من أقبح المحرَّمات، ويفوت به إنكارُ الخطيئة بالقلب، وهو فرضٌ على كلِّ مسلم، لا يسقطُ عن أحدٍ في حالٍ من الأحوال. وخرَّج ابنُ أبي الدنيا من حديث أبي هريرة، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: من حضر معصيةً، فكرهها، فكأنَّه غاب عنها، ومن غاب عنها، فأحبها، فكأنَّه حضرها. وهذا مثلُ الذي قبله، فتبيَّن بهذا أنَّ الإنكارَ بالقلب فرضٌ على كلِّ مسلمٍ في كلِّ حالٍ، وأمَّا الإنكارُ باليدِ، واللِّسانِ، فبحسب القُدرة. اهــ.
وقال المناوي: إن لم يستطع الإنكار بيده بأن ظن لحوق ضرر به (فبلسانه) أي: بالقول كاستغاثة، أو توبيخ، أو إغلاظ، بشرطه (فإن لم يستطع) ذلك بلسانه لوجود مانع كخوف فتنة، أو خوف على نفس، أو عضو، أو مال (فبقلبه) ينكره وجوبا بأن يكرهه به، ويعزم أنه لو قدر فعل. اهـ.

وإذا كذب إنسان وقال: إن فلانا لاط به، فإن الكاذب يحد باعترافه، وأما الشخص المتهم فلا يحد إلا ببينة تشهد عليه أو باعتراف منه، فإن قال: قد كذب علي، وطالب بحد القذف، حُدّ الكاذب حد القذف؛ لما في الصحيحين عن أبي هريرة، وزيد بن خالد قالا: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فقام رجل فقال: أنشدك الله إلا قضيت بيننا بكتاب الله. فقام خصمه - وكان أفقه منه - فقال: اقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي . قال: « قل ». قال: إن ابني كان عسيفا على هذا، فزنى بامرأته، فافتديت منه بمائة شاة وخادم، ثم سألت رجالا من أهل العلم، فأخبروني أن على ابني جلد مائة، وتغريب عام، وعلى امرأته الرجم. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: « والذي نفسى بيده لأقضين بينكما بكتاب الله -جلّ ذكره-، المائة شاة والخادم رد، وعلى ابنك جلد مائة، وتغريب عام، واغدُ يا أُنيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها ». فغدا عليها فاعترفت فرجمها.

قال ابن حجر -رحمه الله- في فتح الباري: (وفيه: أن من أقر بالحد وجب على الإمام إقامته عليه، ولو لم يعترف مشاركه في ذلك، وأن من قذف غيره لا يقام عليه الحد إلا إن طلبه المقذوف، خلافا لابن أبي ليلى، فإنه قال: يجب ولو لم يطلب المقذوف. قلت: وفي الاستدلال به نظر لأن محل الخلاف إذا كان المقذوف حاضرا، وأما إذا كان غائبا كهذا فالظاهر: أن التأخير لاستكشاف الحال، فإن ثبت في حق المقذوف، فلا حد على القاذف، كما في هذه القصة، وقد قال النووي -تبعا لغيره-: إن سبب بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- أنيسا للمرأة ليعلمها بالقذف المذكور، لتطالب بحد قاذفها إن أنكرت. قال: هكذا أوله العلماء من أصحابنا، وغيرهم, ولا بد منه؛ لأن ظاهره أنه بعث يطلب إقامة حد الزنا، وهو غير مراد، لأن حد الزنا لا يحتاط له بالتجسس، والتنقيب عنه، بل يستحب تلقين المقر به ليرجع، كما تقدم في قصة ماعز، وكأن لقوله: "فان اعترفت" مقابلًا، أي: وإن أنكرت فأعلمها أن لها طلب حد القذف، فحذف لوجود الاحتمال، فلو أنكرت، وطلبت لأجيبت، وقد أخرج أبو داود، والنسائي من طريق سعيد بن المسيب عن ابن عباس: أن رجلا أقر بأنه زنى بامرأة، فجلده النبي -صلى الله عليه وسلم- مائة، ثم سأل المرأة، فقالت: كذب. فجلده حد الفرية ثمانين، وقد سكت عليه أبو داود، وصححه الحاكم، واستنكره النسائي.) انتهى.

والله أعلم.

www.islamweb.net