الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فعملك هذا جامع بين إطعام الطعام وبين الصدقة -إن شاء الله- تعالى-، فهو من جملة إطعام الطعام؛ لأنك قد وكلت من يشتري بتلك النقود طعاما، ويدفعه للفقراء، فكأنك أنت الذي اشتريت طعاما، ودفعته لهم، فلا فرق بين أن تفعل هذا بنفسك، وبين أن توكل من يفعله، ولا يشترط في إطعام الطعام أن يكون مطبوخا، أو من بيت المتصدق، بل من اشترى أي طعام، ودفعه لفقير على سبيل الصدقة؛ فهو متصدق، ومطعم للطعام أيضا، وقد قال الله تعالى: وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا [الْإِنْسَانِ: 8، 9].
وذكر الشراح في شرح حديث: أطعموا الطعام، أن هذا يشمل إطعامه للفقراء والمساكين، كما يشمل الضيافة والهدية.
قال المناوي في فيض القدير عند شرحه لحديث: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِسَلَامٍ. قال: (وأطعموا الطعام) قال العراقي: المراد به هنا قدر زائد على الواجب في الزكاة، سواء فيه الصدقة، والهدية، والضيافة. اهــ.
وفي مرقاة المفاتيح: (وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ): فَإِنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الْكِرَامِ، لَا سِيَّمَا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْأَيْتَامِ. اهــ.
وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يرغب الصحابة بالتصدق من الطعام، كما يرغبهم بالتصدق بالدنانير والدراهم، كما في الحديث الذي رواه مسلم: تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ -حَتَّى قَالَ- وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ. اهــ.
وكان الصحابة -رضي الله عنهم- يتصدقون بالطعام، ويطعمونه المحتاجين، والأحاديث في هذا كثيرة؛ كحديث أبي مسعود الأنصاري في صحيح مسلم قال: «أُمِرْنَا بِالصَّدَقَةِ» قَالَ: كُنَّا نُحَامِلُ، قَالَ: فَتَصَدَّقَ أَبُو عَقِيلٍ بِنِصْفِ صَاعٍ، قَالَ: وَجَاءَ إِنْسَانٌ بِشَيْءٍ أَكْثَرَ مِنْهُ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ: إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنْ صَدَقَةِ هَذَا، وَمَا فَعَلَ هَذَا الْآخَرُ إِلَّا رِيَاءً، فَنَزَلَتْ: {الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ} [التوبة: 79]. اهــ.
فاستمر فيما أنت فيه -أخي السائل- وأنت على خير -إن شاء الله- تعالى-، ولو جعلت لرب الأسرة فسحة في إنفاق المال فيما يراه مناسبا لأسرته؛ لكان أفضل، فلربما كانت حاجتهم إلى الملابس، وما يقيهم برد الشتاء، وحر الصيف لا تقل عن حاجتهم إلى الطعام.
والله أعلم.