هداية الله للعبد.. فطرة..أم مجاهدة واكتساب ؟

4-7-2001 | إسلام ويب

السؤال:
يقو ل الله تعلى في كتابه العزيز الحكيم {إنّك لا تهدي من أحببت و لكن الله يهدي من يشاء} و يقول {والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا} ويقول النبي الكريم " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" إلى آخر الحديث...هل معنى هذا أنّ الهداية مكتسبة أم تأتي بالجهد؟و جزاكم الله عنّا وعن المسلمين خير الجزاء.

الإجابــة:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: ‏

فإن العبد لا يملك أن يستقل بهداية نفسه إلا بتوفيق الله عز وجل، إلا أنه بعد هذا التوفيق ‏من الله سبحانه وتعالى ينفعه اجتهاده في فعل الطاعات واجتناب المعاصي، وهذا هو معنى ‏قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) ‏‏(العنكبوت:69) أي: لنزيدنهم هداية إلى سبيل الخير والرشاد، وهذا المعنى مبيناً في آيات ‏أخر، كقوله تعالى: (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ) (محمد:17) ‏
وقوله تعالى: (وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا ‏فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (التوبة:124) ‏
والهدى يستعمل في القرآن استعمالين: أحدهما عام، والثاني خاص، فأما الهدى العام ‏فمعناه: إبانة طريق الحق وإيضاح الحجة سواء سلكها المبيّن له أم لا، ومنه بهذا المعنى، قوله ‏تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ ‏بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (فصلت:17) أي بينا لهم طريق الحق، ومنه قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ ‏السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الانسان:3) وأما الهدى الخاص فهو: تفضل الله على العبد ‏بالتوفيق، ومنه بهذا المعنى، (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً ‏إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) (الأنعام:90) ‏
وقوله تعالى: (فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ ‏صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا ‏يُؤْمِنُونَ) (الأنعام:125) وبهذا يرتفع الإشكال بين قوله تعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ‏وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص:56) ‏
مع قوله (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ ‏وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ‏‏(الشورى:52) ‏
لأن هدى الناس المنفي عنه صلى الله عليه وسلم هو الهدى الخاص لأن التوفيق بيد الله ‏وحده، وإلى هذين المعنيين ترد كل الأعمال المسندة إلى العبد، فإن المهتدي هو من هداه، ‏الله وبهدي الله اهتدى، وبإرادة الله تعالى كان ذلك، لا أنه مستقل بالهدى، ولا تعارض ‏بين قوله صلى الله عليه وسلم " كل مولود يولد على الفطرة ……"الحديث، وبين ‏الآيتين اللتين في نص السؤال، لأنه معنى الفطرة المذكورة في الحديث هي ما أخذ عليهم في ‏أصلاب آبائهم، وأن الولادة تقع عليها حتى يحصل التغيير بالأبوين، وقد تقدم الكلام في ‏الجمع بين الآيتين.‏
والله أعلم.‏

www.islamweb.net