الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحزن على ما فات من الطاعة في الماضي

السؤال

أحس بالحزن دائماً وفي كل وقت، على فوات شيء من الطاعة في الماضي، أو على ما حدث لي من بلايا ومصائب وامتحانات في الماضي، ولا أستطيع أن أطرد الأحزان، وتتكاثر علي بشدة يوماً بعد يوم، فأين الطريق؟ وكيف النجاة؟ وأنا أعلم أن الحزن لا يرجع الماضي ولا يفيد في المستقبل، بل يعرقل السائر إلى الله، ولكن ماذا أفعل؟

ساعدوني، جزاكم الله خيراً، ووفقكم لكل خير، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ أحمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد،،،

فمرحباً بك أيها الولد الحبيب في استشارات إسلام ويب بين آبائك وإخوانك، ونشكر لك أيها الولد الحبيب ما تشعر به من حزن على فوات الطاعات في زمنك الماضي، وهذا يدل على أن فيك من الخير الكثير، لكن ثق جيداً أيها الحبيب أن الحزن لا يطلبه الله سبحانه وتعالى منا، بل لم يذكره الله عز وجل في القرآن إلا منفياً أو منهياً عنه، قال الله سبحانه وتعالى: (( وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا ))[آل عمران:139] وقال سبحانه وتعالى: (( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ))[التوبة:40] وقال سبحانه وتعالى: (( أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ ))[آل عمران:170].

فالحزن ليس مطلوباً شرعاً؛ لأنه كما تفضلت أنت في استشارتك لا يفيد شيئاً، بل يعطل ويعرقل السائر إلى الله، وقد أصبت في الحقيقة حينما عرفت هذا، لكن ندم الإنسان على ما فات منه فهو جزء من توبته إذا كان قد وقع في معصية، لكن ينبغي أن يكون هذا الندم وذلك الأسف باعثاً عن العمل بإتقان، فإن الإنسان مطلوب منه أن يبادر وأن يسارع إلى الخيرات وإلى اكتساب المعالي والجد والإنتاج فيما يفيد في دنيا أو دين.

وأما مجرد الحزن الذي لا يصيب الإنسان إلا بالكآبة ويثقله بالقيود التي تعوقه عن العمل والحركة والإنتاج، فهو مدخل من مداخل الشيطان، كما قال سبحانه وتعالى: (( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا ))[المجادلة:10] فهذا هو عمل الشيطان، محاولة إدخال الحزن إلى قلب المسلم.

وأما الشرع فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعانا وندبنا إلى التعوذ بالله سبحانه وتعالى من الحزن، كغيره من المصائب التي قد تبتلي الإنسان، كما في الدعاء المأثور: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال) فالهم والحزن قرينان، وينبغي للإنسان أن يستعيذ بالله سبحانه وتعالى منهما.

ومما يعينك أيها الحبيب على التخلص من الحزن أن تعلم بأن الله سبحانه وتعالى يطلب منك التوبة، وأن الله سبحانه وتعالى يريد منك أن تعيش حياة رضية ملؤها الطمأنينة والسعادة، وأنه سبحانه وتعالى وعد عباده الصالحين بأن يسعدهم في هذه الدنيا وأن يسعدهم في حياتهم الأخرى.

ومما يعينك على ذلك: الإيمان بقدر الله تعالى، وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا تذهب نفسك حسرات، ولا تتقطع نفسك بالأحزان إذا فاتك شيء، فإنه إنما فاتك لأن الله عز وجل لم يقدره لك، فكن لبيباً عاقلاً حازماً وخذ بالأسباب في الخيرات المستقبلية، فإذا يسرها الله عز وجل لك فذاك مما قدره الله عز وجل، وإن لم تتيسر لك فأيضاً لأن الله عز وجل لم يقدرها.

ومما يعينك على التخلص من الحزن أيضاً إحسان الظن بالله، وأن الله سبحانه وتعالى عنده كل خير ولا يقدر للعبد إلا الخير، وقد قال سبحانه في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي).

ومما يعينك على ذلك أيضاً الإكثار من الاستعاذة بالله سبحانه وتعالى من الحزن كما سمعت في هذا الحديث، فتدعو به في سائر أوقاتك.

نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقك لكل خير وأن يأخذ بيدك إلى معالي الأمور، وأن يقدر لك الخير حيث كان ويرضيك به.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً