الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل عدم الإنجاب ابتلاء من الله عز وجل أم هو انتقام؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
أما بعد..

أنا سيدة متزوجة منذ أكثر من أربع سنوات، لم أرزق بعد بأطفال، وهذه المشكلة تؤرقني، فأنا أتعذب كثيرا من هذا الحرمان، وخاصة أن الشهور تمر أمامي، وكل محاولاتي في الإنجاب باءت بالفشل، فأنا أبكي يوميا، لاسيما مؤخرا، فقد فشلت عملية أطفال أنابيب معي للمرة الثانية، و بالمقابل كل صديقاتي وقريباتي رزقن بأطفال - اللهم لا حسد -، ولكن لا أستطيع أن أمنع نفسي من التفكير بهذا، وأحيانا أحس بغيرة شديدة، ثم أعود على نفسي وأقول: لو أن الله أحبني لكان ملأ حياتي بطفل سليم وجميل يؤنسني.

عموما منذ زواجي لم أفرح قط، بل على العكس، همومي كثرت، ومشروع المنزل الجديد تأخر، ومشاكلي في العمل ازدادت، وعدم الإنجاب لا أجد له حلا، فأنا أصلي، وأقوم الليل، وأكثر من قراءة الأذكار.

أرجو منكم مواساتي، والتخفيف عن آلامي، لأنني أحيانا أقول في نفسي: أن الله عز وجل يمتحنني، ولكن عندما تضيق بي نفسي أقول: إن هذا ربما يكون انتقاما منه عز وجل، ولا أجد من يواسيني سوى الاستغفار.

الهم أصلح حالي وحال جميع المسلمين، آمين يا رب العالمين.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ أمينة حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،،،

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحابته ومن والاه..

بداية نشكر لك - ابنتنا الفاضلة – هذا التواصل مع الموقع، ونشكر لك الوضوح في عرض هذا المُشكل، ونسأل الله أن يسهل أمرك، وأن يسعدك بالذرية الصالحة، وأن يعينك على الخير، وأن ييسر أمرك وأمورنا، وأن يلهمنا وإياك السداد والرشاد، هو ولي ذلك والقادر عليه.

وأرجو أن تعلمي – بنتي الفاضلة – بداية أن العطايا في الدنيا والمنح والأولاد والمنن والنعم ليست دليلاً على رضا الله تبارك وتعالى على الإنسان، وإلا فلأن الدنيا رخيصة فإن الله يعطيها للكافر والمؤمن، فقد نجد كافرًا منعمًا عنده أولاد {وبنين شُهودًا}، فهذا ليس دليلاً على أن الله راضٍ عنه، لأن الله ما رضي الدنيا ثوابًا لأوليائه، وهذه الدنيا جاع فيها كليم الله موسى، وجلس محتاجًا متعبًا تحت ظل شجرة، وقال: {رب إني لما أنزلت إليَّ من خير فقير}، فهذه الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة، جاع فيها رسولنا وتعب، وربط على بطنه الحجر من شدة الجوع – عليه صلاة الله وسلامه - .

فإذن نحن لابد أن نصحح هذه النقطة الأولى.

الأمر الثاني: لابد أن تُدركي أن نعم الله مقسمة، فأنت لم ترزقي الولد، ولكن من الواضح أن عندك وظيفة، وأن عندك مشروع بيت جديد، وهناك من لا يملك بيتًا، ومن لا يملك درهمًا ولا دينارًا، فاحمدي الله على ما أولاك من نعم.

ففكري دائمًا في النعم التي عندك أنت، فالله تبارك وتعالى قد يعطي المرأة زوجا ويعطيها أطفالا ولكن يحرمها من المال، يحرمها من الوظيفة، يحرمها من العافية، فنعم الله مقسمة، والسعيد هو الذي يتعرف على نعم الله عليه، نعمة العافية، نعمة العمل، نعمة الأهل، نعمة الزواج، {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}.

فالإنسان يتعرف على النعم التي يتقلب فيها ثم يؤدي شكرها، وبهذا الشكر ينال المزيد عند الله تبارك وتعالى، فتذكري أن نعم الله مقسمة، وأن هناك من عندها أطفال لكن تتمنى لو أنها لم يكن عندها أطفال، هناك من عندها زوج لكن تعيسة تتمنى لو أنها لم تتزوج أصلاً، لذلك ينبغي أن يُدرك الإنسان أن السعادة لا ترتبط بهذه الأمور، بل السعادة هي نبع النفوس المؤمنة بالله، الراضية بقضائه وقدره، المواظبة على ذكره وشكره وحسن عبادته.

واعلمي أن الحال سيتغير عندك عندما يمتلأ قلبك بالرضا عن الله وبالرضا بالله وبشكر نعم الله تبارك وتعالى الكثيرة جدًّا عليك، وننصحك بأن تنظري إلى من هم دونك في العافية، في الوظيفة، في الحياة، في الجمال، في كل شيء (انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، كي لا تزدروا نعمة الله عليكم).

كذلك إذا وجدتِ نعمة الله تنزل على الزميلات فاسألي من وهبهنَّ أن يعطيك، فالإنسان ينبغي كما قال نبي الله زكريا لما دخل على مريم ووجد عندها فاكهة الشتاء في الصيف وهو المتكلف بطعامها، قال: {يا مريم أنَّى لك هذا * قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب} ماذا فعل نبي الله زكريا؟ المؤمن يفرح بنعمة الله على إخوانه وعلى أخواته، ثم يتوجه إلى العظيم {هنالك دعا زكريا ربه} يا من أعطيت مريم، يا من أعطيت هذه المسكينة أعطني سُؤْلي، {هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء}، وأدعية نبي الله زكريا مما ندعوك للمواظبة عليها {رب لا تذرني فردًا وأنت خير الوارثين}، وندعوك كذلك إلى كثرة الاستغفار، والصلاة والسلام على رسولنا المختار عليه صلاة الله وسلامه، فإن الاستغفار سبب لمجيء الولد – مجيء الذرية، لأن الله قال: {فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارًا} ما هي النتائج؟ {نرسل السماء عليكم مدرارًا * ويُمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارًا}.

فاشغلي نفسك بالاستغفار، وبالصلاة على رسولنا المختار، بالتوجه إلى من يُجيب المضطر إذا دعاه، وحاولي دائمًا أن تكوني عونًا للمحتاجين ليكون العظيم في حاجتك، فإن الإنسان إذا كان في حاجة إخوانه وأخواته كان العظيم في حاجته تبارك وتعالى، واحرصي دائمًا على أن تشغلي نفسك بطاعة الله، واعلمي أن ما يختاره الله لك أفضل وأحسن، وأن الذرية ستأتيك في الوقت الذي قدره الله، والسعادة ليست في الذرية، وليست في المال، وليست في الوظيفة، ولكن كل هؤلاء يبحثون عن السعادة ولكنهم أخطأوا طريقها.

فالسعادة في طاعة الله، وفي الرضا بالله، في الرضا عن الله، قال عمر بن عبد العزيز: (كنا نرى سعادتنا في مواطن الأقدار) فاشغلي نفسك بما يُرضي الله تبارك وتعالى، واعلمي أن هذه المسألة لا يستطيع الإنسان أن يقول فيها: ( أن الله لا يحبني أو كذا)، لأن هذا يعد فهما مغلوطا، {فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمنِ * وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهاننِ * كلا...}، فهذا غير صحيح، لذلك قلنا: الدنيا هذه لأنها حقيرة، ولأنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة، ولو كانت كذلك ما سُقي الكافر منها جرعة ماء.

ولذلك ينبغي أن تكون هذه المعاني واضحة، فاشغلي نفسك بالمفيد، وتوجهي إلى الله، وأكثري من اللجوء إليه، وتجنبي التسخط على أقدار الله وعدم الرضا عما قدره الله، لأن هذا أمر خطير لا نريد أن يُبتلى به أمثالك ممن تُصلي وتصوم وتقوم الليل، وينبغي أن تتذكري هذه المعاني.

ونتمنى أيضًا ألا تكرري عبارة: (أنا أصوم وأصلي، وكذا) فالإنسان لا يمنُّ على الله بطاعته، ولا يدل على الله بما يقول من طاعات، ولو كان كل أهل الأرض على أتقى قلب رجل واحد ما زاد ذلك في ملك الله شيئًا، ولو كنا أهل الأرض جميعًا على أفجر قلب رجل ما نقص ذلك من ملك الله في شيء.

لذلك الإنسان يُطيع العظيم ويشعر بالتقصير، ولذلك يستغفر الله بعد صلاته، يفعل الخير ثم يستغفر الله، ويرجو الخير الذي عند الله، واعلمي أننا بالشكر نحفظ ما عندنا من نعم، {وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم} وبشكرنا ننال المزيد، فالشكر هو الجالب للنعم، والشكر هو الحافظ للنعم، فاشكري الله تبارك وتعالى، وواظبي على ذكره.

ونسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يسعدك بالذرية الصالحة، هو ولي ذلك والقادر عليه.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • الجزائر ام حنين

    جزاكم الله كل الجزاء على هذا الرد الرائع واخيرا الحمد لله كما ينبغي لجلال وجههي و عظيم سلطانه

  • فلسطين المحتلة منير

    الله بس هو الي بيعطي وبعدين الله ما بينسا احد انا كمان الي

  • الجزائر الفقير إلى الله

    انا اقاسم هذه الاخت همها لدي 08 سنوات زواج و لم ارزق بالذرية الى يومنا هذا اتصلنا لمختلف الاطباء انا و شريكتي لكن بدون جدوى حيث كل التحاليل و الكشوفات اجابية و لا يوجد اي عائق يمنع الحمل كما انه في رمضان الماضي اجرينا عملية تلقيح اصطناعي الا انها لم تنجح المر الذي زادني ايمانا بقدر الله و حبا و مودة اتجاه زوجتي الحمد لله على كل حال لا حول و لا قوة الا بالله ربي اني بين يديك وكلتك امري يا من تشاء امرا تقل له كن فيكون أسألك بعزتك و قوتك و جبروتك أت تفرج عني كربي وترزقني انا و هذه المخلوقة بقرة اعين آمين و الكل يدعوا معنا

  • الجزائر سولا

    ياختي انامحرومة من الذرية منذ اربع سنوات وحمد الله وشكراتوا البكاء ماينفع اصبري واحتسبي ان الله رحمته واسعة.

  • الجزائر نعيمة ـت الجزائر

    الحمد لله على كل حال أنا عندي 12 زواج و لم أرزق بأطفال و لا أغير من أحد و الحمد لله أكثر من الاتغفار و أشكر الله على كل النعم التي منحني اياها

  • الجزائر ام ياسمين -الجزائر

    ولا تقنطوا من رحمة الله ،فان الله يستجيب للعبد مالم يقنط،انا ايضا انتظرت ثلاث سنوات من الحرمان ،لكن حين اكرمني الله بصغيرتي وقرة عيني والله نسيت كل شيئ ،والان عمرها سبع سنوات ولم استطع ان انجب لها اخا او اختا لكن الحمد لله الصبر مفتاح الفرج ،واعلمي ان الله اذا قدر لك ذرية فان ذلك مكتوب منذ الازل في علم الله،فهي روح لها عمر وحياة ورزق وذرية فلا حول لنا ولاقوة الا ان ننتظر الفرج من عند الله.اسال الله الذي بيده مفاتيح كل خير ان يرزقك تواما ينسيك حرمانك ويمسح دمعتك ويكون سندا لك يارب امين

  • الحزينه

    الله يشفيك يا اختاه

  • الجزائر اسيا ام التوأم

    أختي الفاضلة و الله حالتي تشبه حالتك بالضبط ساعات ابكي ساعات اسخط على نفسي وساعات استغفر عندي تقريبا 4 سنوات جربت كل شيء الادوية الطبية الاعشاب عملت عمليتن للتلقيح الاصطناعي رغم ان الاطباء لم يجدوا ما يعيق حملنا لكن الحمد لله و الحمد لله لكن قررت ان اترك كل مسببات الحمل من ادوية و الجا الى الله من صلاة و دعاء و استغفار و صدقة لاني فعلت المستحيل لكي احمل و لم استطع لحكمة ما لا يعلمها الا الله ما علينا الا الصبر ثم الصبر الحمد لله

  • عصام سمير علي

    ربي لاتذرني فردا وانت خير الوارثين انا عندي نفس المشكله ولاكن الحمد لله في السراء والضراء

  • youcef

    اختي الصبر مفتاح الفرج انا كذلك لم ارزق بعد بعد 5 سنوات ولكن لنا رب لا ينسانا يقال بانه اذا احب الله عبدا ابتلاه احيانا احس بالفرحة مع اني حزينة لان الله ابتلانا ربما هذه فرصة لنا لكي نذكر الله كثير لولا هذا ربما ماذكرناه كما يجب *الا بذكر الله تطمئن القلوب*

  • تركيا حامد

    اختنا (يرزق من يشاء بغير حساب ) اختنا كم من الناس رزقوا باولاد فاكتشفوا انهم ذوي اعاقه عقليه
    و لكن لا تيأسي اختنا ( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون )

  • أمريكا محمدفوزى

    افدك الله لقدسالت نفس السؤال وكان الشيطان حياخذنى بعيداا ولكن قراءتى لهذه السطور اراحت قلبى جعلها الله فى ميزان حسناتكم

  • نسمة

    اللهم يرزقك بالذرية الصالحة انا مثلك انا متزوجة من

  • تركيا اميرأبأخلقي

    الامل بلله

  • تونس وردة

    بكيت كثيرا للتعليقات هنا والآن مر 4 سنوات أتمنى من الله أن يمن على أصحابها بالذرية، أنا أكتب هذه السطور وأنا حامل في الشهر الثالث وعندي ابنه، ودائما أدعو الله أن يرزقني بولد، وحين قرأت الردود خجلت من حالي.

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً