الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أبي يرفض رغباتي وأفكاري!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مرت عائلتي في هذه الأيام بفترة صعبة بسبب مشكلة كانت أختي من سببها، ومن خلال هذه المشكلة خسرت أشياء تخصني ليس لي علاقة ولا سبب لخسرانها، لكن بسبب أختي خسرتها، وأبي شديد نوعا ما، أي أنه يشدنا لكي نحافظ على الحلال ولا ننزلق للحرام، كما أنه يخاف علينا خوفا شديدا جدا، وخوفه هذا بدأ تدريجيا بأن يدمرنا، حيث إنه لا يسمح لنا بزيارة أقربائنا دائما، ولنا أخوات من امرأته الأولى، وفي الفترة الأخيرة أختي خطبت، ونطلبه الذهاب إليها في الأسبوع مرتين لأننا نريد مشاركتها فرحتها، ولكنه يقول ليس من الضروري الذهاب كثيرا إلى هناك، وقد تمر أسبوعان لا نذهب إليهم!

غير هذا بخصوص المدرسة لا يسمح لي بالمشاركة بالمسابقات التعليمية، في السنة الماضية سمح لأختي بالمشاركة في مسابقة لمهندسي الحواسيب، وأنا تخصصي بيولوجي وكيمياء وليس حاسوبا، وكانت المسابقة لطلاب الحاسوب الأذكياء، هكذا أختي أخبرت أبي، فقال: لأنها للأذكياء سأسمح لك بالمشاركة وهو ينظر إلي بنظرة كرهتها، ولم يستوعب إلى الآن أن تخصصي بيولوجي، واليوم هناك مسابقة للطلاب الأذكياء في الكيمياء، ولكنه لا يسمح لي بذلك؛ فهو يقول إن الدولة لا تريد العرب بأن يكونوا أذكياء في الكيمياء! مع العلم أنني من عرب 48.

وهناك مراكز يعلمون بسيخومتري (امتحان من شروط قبول للجامعات) ولكنهم لا يسمحون لنا بالمشاركة؛ بسبب أن الأشخاص هناك منفتحون، يمكن أن يكون شيئا سلبيا نوعا ما، ولكنني أذهب للتعلم وليس لشيء آخر.

كما أنني استأذنته السنة الماضية لكي أصبح ممرضة، وكان حلما كبيرا لي، فرفض وقال الفتيات لا يعملن في المستشفيات!

تقريبا كلما أخبره بأنني أريد شيئا يرد بـ"لا"؛ لذا لم أعد أتحمل؛ فجميع صديقاتي يقال لهن: "نعم" وأنا يقال لي "لا" لن أقارن نفسي بهن ولكنه يبقى مؤلما.

أبي داخله حنان، ولكن خوفه يطغى، كما أنه عصبي، وكثيرا ما أخاف أن أخبره بشيء، أحيانا أقول: ليته لم يكن أبي. ثم أستعيذ من هذه الفكرة، ولكنه يؤلمنا كثيرا.

أريد حلا، لكن اعلم بأنني لا أملك الشجاعة للحديث. وبارك الله فيك.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ سجى حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

قبل أن أبدأ منك خطوات الحل والعلاج، أريد منك أن تقرئي هذا الحديث بتمعن وأن تتأملي أبعاد معانيه جيداً، ثم تجيبي على هذه الأسئلة بصراحة ووضوح مع نفسك:

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ يَوْمًا فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ». رواه الترمذي.

- هل تعتقدين أن أحداً ما يستطيع أن يمنعك شيئاً كتبه الله لك؟!

- هل تظنين أن كائناً من كان يستطيع أن يغير ما قسمه الله لك من العطاء؟!

- هل تشكين للحظة في حكمة الله سبحانه وتعالى في توزيع الأرزاق المعنوية على عباده؟!

- ألا ترين معي أن كل ما قضاه الله للإنسان هو الخير المطلق وإنما عجز عقولنا البشرية يقف حائلاً دون فهم أبعاد الحكمة الإلهية، حكمة سنذوب حياء من الله سبحانه وتعالى حين يبينها لنا يوم القيامة، لأننا اعترضنا وتذمرنا؟!

- ألا تعتقدين أن المنع يكون أحياناً عين العطاء، وأن ما أعطاه الله لغيري لم يعطني إياه ربما لأنه لا يتناسب مع شخصيتي، ولأن الله سبحانه وتعالى يخبئ لي الأجمل والأفضل؟

فالحل والعلاج لما أنت فيه من الغضب الداخلي إنما هو الرضا، الرضا بما قضاه الله لك، مع العلم أن الرضا أبداً لا يتناقض مع الطموح والسعي نحو الأفضل، بل يجعلك توفرين طاقاتك التي تستنزفينها في التذمر والمقارنة، ويوجهها التوجيه الإيجابي، فبالرضا تسكن الروح ويطمئن القلب، وهكذا يتحرر العقل من الأفكار السلبية التي كانت تقيده وينطلق نحو الإبداع.

انظري إلى الأشياء الإيجابية التي تملكينها، والنعم الكثير التي غمرك الله بها، واجعلي من وقتك وقتاً لشكر الله سبحانه وتعالى من خلال المحافظة على الصلوات في مواقيتها، وأذكار الصباح والمساء، وقراءة القرآن، والاستغفار، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك من الأوراد التي تمنحك السلام الداخلي، وألحي على الله بالدعاء، وتحري ساعات الإجابة، وتذكري أن قلب والدك بين أصبعي الرحمن يقلبه كيفما يشاء، فلا تتعلقي بالسبب وتنسي المسبب سبحانه وتعالى، ولا تحصري تفكيري بالعطاء ويغيب عنك المعطي، اجعلي علاقتك مع الله أقوى وأمتن، وثقي بعطاء الله سبحانه وتعالى.

توددي إلى والدك بالكلمة الطيبة والأسلوب الحسن، من خلال فعل الأشياء التي يحبها دون أن يطلب، أو من خلال تقديم هدية له كل فترة وإن كانت هدية رمزية، أشعريه بالحب والحنان، وابتعدي عن فعل الأشياء التي تغضبه أو تجعله عصبياً، فالأب يحمل في قلبه حباً كبيرا لأبنائه، ولكن يمنعه كبرياؤه من التعبير عنه والبوح به، ولا يرضى إلا أن يكون أبناؤه في أعلى المراتب، ولكن الحرص والخوف أحياناً عليهم بسبب البيئة المحيطة تجعله مرغماً يرفض بعض الأشياء التي يراها الأبناء غاية مستقبلهم وطموحهم.

اعلمي علم اليقين أن جميع تصرفات والدك هي من دافع حرصه عليك، ومحبته لك، ورفضه أن تكوني ممرضة لأنه يرى ما يعترض الفتاة الممرضة من اختلاط وقصص ومشاكل في مجال عملها، فهو أدرى بمصلحتك، فهوِّني على نفسك ولا تغضبي من والدك، وعندما تكبرين وتعركك الحياة وتصبحين أمَّاً ولك أولاد ستعرفين معنى شدة حرص أبيك عليك، فكوني مطمئنة إلى أن أباك لن يختار لك إلا ما هو الخير لك.

أسأل الله أن يرزقك الحكمة واللين وحسن التعامل، ويبلغك أحلامك وأمانيك اللهم آمين.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً