الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخشى أن تجرني لحظات الاكتئاب إلى الانتحار، أرشدوني إلى طريق السلامة

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم على ما تبذلونه من مجهود لمساعدة الناس.

لا أريد الإطالة وفي نفس الوقت لا أريد أن أنسى شيئا، ولهذا سأتطرق للموضوع بشكل كامل ليطمئن قلبي، وأعتذر مقدما.

عمري 32 سنة، أعزب، أعمل وأدرس بالجامعة، قبل تقريبا 13 سنة أصبت بنوبة هلع شديدة، فخفت كثيرا، ومن بعدها أصبحت قلقا معظم الوقت، ولا أنام إلا برعشة وارتجاف، وأحيانا كثيرة عندما أبدأ بالنوم أنتفض من مكاني مع رعشة ودقات قلب سريعة، وبعدها أرتاح وأعود للنوم، واستمررت على هذا الحال 12 سنة، وكنت أظن أنها طبيعية، لم أعلم بأني مصاب بمرض فتعايشت معه.

وقبل رمضان الماضي بستة أشهر، كنت أردد في عقلي فكرة فلسفية عن العدم والفناء وأن الحياة ستنتهي، وكنت طبيعيا، ولما دخل رمضان كنت متوترا جدا، وأنا أعمل ولا أنام إلا ساعات قليلة، وأحيانا لا أنام، وبعد مضي ثالث يوم مع الأرق، نمت واستيقظت مفزوعا ومرعوبا، أبكي بكاء شديدا، وخوفا من غير سبب.

ذهبت مسرعا للمستشفى، وقال الدكتور: ما أصابك نوبة اكتئاب حادة، ومن بعدها وأنا في حالة نفسية سيئة ومرعوب جدا، والدنيا تغيرت، وكل شيء أصبح غريبا كأني في حلم، ولم أستطع العودة لبيتي لخوفي الشديد منه، وبقيت أنام في السيارة عند المسجد لمدة شهرين، وأنا كل يوم أبكي، ولا أعلم ما حصل لي.

بدأت أقرأ عن الاكتئاب بشكل يومي، ولم تنطبق علي أغلب أعراض الاكتئاب، فأكلي طبيعي، ونومي بدأ يصبح طبيعيا، لا أشعر بالخمول ولا جلد الذات، وأحب الصباح والنهار، وفخور بنفسي، ولكن تأتيني نوبات الاكتئاب بشكل متكرر، وخاصة في المساء عند بداية غروب الشمس، أحس باكتئاب شديد بالذات عند النظر للغروب، أو حتى النظر لمنظر يفترض أنه جميل، أصبح مكتئبا وأرغب بالبكاء، وأصبحت نظرتي عن الحياة أنها فانية، وأنظر للناس وهم مشغولون وفرحون، وأقول في نفسي: كيف يتهنون وهم يعلمون أنهم سيموتون؟ ما الفائدة من العمل أو الزواج أو غيره؟

قررت الذهاب لعيادة نفسية، وشخصني الدكتور خلال جلسة لا تتجاوز ربع ساعة، وصرف لي انتابرو 10 ملجم نصف حبة 4 أيام، وحبة أسبوعا، وحبة ونصف أسبوعين، وحبتين، ودواء ريدون نصف حبة.

ولي الآن 37 يوما، ولم أتحسن، وآخر سبعة أيام أصبحت النوبات قوية وتتكرر كل مساء من المغرب إلى الساعة 11، فهل هذا من مفعول الأدوية؟ وهل أغيرها؟ وهل ما أصابني هو اكتئاب قلقي، أو اكتئاب من فكرة مشوهة لا أستطيع طردها وهي فناء الحياة والعدمية؟ علما بأني طبيعي في النهار.

ملاحظة: أخي أنتحر وأنا كنت صغيرا، لا أعرف لماذا! ولكن أتذكر أنه كان يبكي كثيرا، وراجع المستشفى النفسي، وهذه الفكرة تحسسني باليأس، وبأن مصيري سيصبح كمصيره، وأنا مرعوب جدا، أرجوكم أريد أن أعود لطبيعتي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Nawaf حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

رسالتك واضحة جدًّا، وقد أعطيناها الاهتمام الذي تستحقه، والتفاصيل التي ذكرتها بيِّنة ورصينة جدًّا، والنوبات التي حدثت لك هي نوبات هرع وفزع، ومن الواضح أيضًا أن لديك فكرا وسواسيا، كل الأفكار حول العدم والفناء وغيره هي أفكار وسواسية، ونوبات الهرع حين تكون مع الوساوس تؤدي إلى عُسْرٍ مزاجي.

مع احترامي الشديد لرأي الطبيب الذي قال لك أن النوبة نوبة اكتئابية، أنا أرى أنها كانت قلقية وسواسية أكثر ممَّا هي نوبة اكتئابية حقيقية، لكن أتاك جانب الاكتئاب البسيط، والذي أُحِبُّ أن أسميه بـ (عُسر المزاج) كنتاج للحالة النفسية المستغربة بالنسبة لك والتي أصابتك.

أيها الفاضل الكريم: أنا أريدك أن تواصل المتابعة مع الطبيب، قطعًا سوف تستفيد -إن شاء الله تعالى- من إرشاداته وعلاجاته، ومن جانبك ركّز كثيرًا على العلاجات غير الدوائية، هذه العلاجات تتمثل في تحقير الفكر الوسواسي، وأن تشغل نفسك بما هو مفيد، وأن تُكثر من التواصل الاجتماعي، وأن تُدير وقتك بصورة ممتازة، وأن تحرص على الترفيه عن نفسك بما هو جيد وجميل وطيب، وممارسة الرياضة والتمارين الاسترخائية أيضًا يجب أن تكون جزءًا من حياتك، الحرص على الصلاة في وقتها، هذه كلها دعائم علاجية مهمَّةٌ جدًّا، تشرح النفس وتجعل الإنسان أكثر ثقة في ذاته، وأعتقد أن هذا هو الذي تحتاجه.

العلاج الدوائي – وهو الانتابرو، وهو الستالوبرام – دواء ممتاز حقيقة، والذي يظهر لي أن فعاليته لم تكتمل بعد، أنا أعتقد أنه من الأفضل أن تُعطيه فرصة أطول، على الأقل تكمل شهرين وأنت على نفس النظام العلاجي، وبعد شهرين إذا لم تتحسَّن بصورة جيدة هنا يمكن أن تُناقش هذا الأمر مع طبيبك وتنتقل لدواء آخر مثل الـ (زولفت) والذي يُعرف علميًا باسم (سيرترالين)، أيضًا هو من الأدوية الرائعة والرائعة جدًّا.

فيما يخص ما حدث لأخيك – عليه رحمة الله-: هذا أمرٌ مؤسف، ونسأل الله تعالى أن يرحمه وأن يغفر له، وكل إنسان له مكوّناته، لا أعتقد أبدًا أن ما حدث منه ينطبق عليك، نحن لا نعرف ظروفه، ولا نعرف نوعية الفكر الذي كان يُهيمن عليه، وقطعًا لم يجد مَن يأخذ بيده ويُساعده، وأعتقد أن أجله قد جاء، لذا تُوفي بالطريقة التي قد تحدثت عنها.

أرجو أن تكون إيجابيًا في كل خطوات حياتك، وأنا على ثقة كاملة أنك سوف تتحسَّن، أريدك أن تكون قوي التوقعات، ويجب أن تكون توقعاتك دائمًا متفائلة ودائمًا إيجابية، هذا مهمٌّ جدًّا، الإنسان حين يُغيِّر نفسه فكريًّا على الأسس الإيجابية تتحول مشاعره وكذلك أفعاله لتُصبح إيجابية.

نوبات الهرع أو الفزع أو حتى الوساوس هي مُزعجة ولا شك في ذلك، لكنها ليست خطيرة، كما أن التخلص منها ممكن وممكن جدًّا.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وأسأل الله لك العافية والشفاء والتوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً