الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وسواس الموت والخوف من الأمراض، كيف الخلاص من ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أنا شاب عمري 29 سنة، أعاني من وسواس الموت والمرض، والقلق، وخوف من الأمراض منذ أكثر من ثلاث سنوات، أجريت تخطيطًا للقلب، وإيكو، وتحاليل الدم، والغدة الدرقية -الحمد لله- كلها نتائج سليمة.

بعد التحاليل أشعر بالاطمئنان، وبعد مدة قصيرة ترجع لي الشكوك بأنني مريض بمرض خطير، كأمراض القلب، والأورام، والسرطان، ويبدأ التفكير بالموت كثيرا، فأنا كثير التردد على الأطباء، ومراكز الطوارىء، وأتحسس النبض والتنفس باستمرار.

أعاني من القولون العصبي المزمن، وأشعر بصعوبات في التنفس، وعدم الاستقرار، وضيق دايم؛ والتفكير السلبي اتجاه الموت، وخوف مفرط وتوهم الأشياء، تنميل وبرودة في الجسم، وسرعة في ضربات القلب، وأشعر بجفاف الفم ودوار ودوخة، وأنه سوف يغمى علي في أي لحظة ودنو الأجل، وعندما تنتابني النوبة في الطريق أتوقف بالسيارة، ثم أرجع إلى المنزل، أو أذهب للطوارىء.

بدأت أخشى المسافات البعيدة، والسفر والأماكن الضيقة، كنت مصاب منذ الصغر بالرهاب الاجتماعي، لا أشارك كثير مع الزملاء، كثير التردد والقلق والتفكير المفرط قبل أي عمل، عندما دخلت الجامعة كانت تأتيني نوبات في المحاظرة، وأخرج منها قبل انتهائها خشية الإغماء والسقوط، وتأتي الأعراض كالتعرق، وصعوبة في التنفس، والدوخة، وعندما أخرج ترجع حالتي طبيعية.

قل اهتمامي بكل شيء، حتى مكان عملي، وفي المنزل، أرى الدنيا سوداء أمامي، أعيش في خوف وقلق خصوصا من الموت و المرض، أشعر بالكسل والنعاس طوال اليوم، لا افرح ولا أحزن، كثير الوحدة والسكوت، لم اعد أرغب بعمل أبسط الأمور، وأشعر بالتعب والوهن.

بالفترة الأخيرة بدأت أشعر بغرابة اتجاه نفسي، لا أشعر بوجودي بالحياة وفقدت الهوية، فأنظر إلى المرآه وأسأل نفسي من أنا، وأستغرب شكلي وصوتي، والناس حولي، وأشعر بخفة بالجسد، فلا أعود أدرك الزمان والمكان، ولا أعلم كيف تمر الليالي والأشهر والساعات، لا أشعر بالفرح والحزن، وكأنني في عالم آخر ولست بالواقع، وأشعر أن عقلي فارغ، وبدأت أحدث نفسي، وأركز بالوجوه لكي أتعرف عليها، لا أعلم ما هذا، وماذا حصل لي؟

ذهبت إلى طبيب نفسي بالفترة الأخيرة، وصرف لي دواء سيبرالكس 10، أخذته لمدة أسبوع، فقد جلب لي المزيد من الكسل والنوم والنعاس فتركته.

أعراضي التي أعانيها هي:

1- وسواس وخوف من المرض والموت.

2- اكتئاب، لا يوجد اهتمام بأي شيء حتى عملي وأهلي.

3- لا أستطيع النوم كثيرا.

4- أعاني من القلق والتوتر، والتفكير السلبي، ولدي توهمات.

5- كثرة التردد على الأطباء.

6- حتى الخوف من الأدوية، والنشرة الداخلية وأعراضها الجانبية.

أرجوا تشخيص حالتي، وآسف جدا للإطالة، وشكرا جدا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ ناصر حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

فإن أعراضك هذه واضحة جدًّا، وتُمثِّلُ صورة مثالية لما نسميه بقلق المخاوف الوسواسي، فهنالك قلق، وهنالك مخاوف، وهنالك وساوس، وينتج عنها الكثير من الأعراض، بعضها نفسي، وبعضها جسدي، وبعضها اجتماعي، فالأعراض هذه تُحِدُّ كثيرًا من نشاطك الاجتماعي، نسبةً لما يكون مصاحبًا لها من رهبة، والشعور الجسدي بالتنميل وبرودة الجسم وسرعة ضربات القلب، وجفاف الفم، والدوَّار والدوخة: هذه أعراض نستطيع أن نصفها بأنها مثالية جدًّا لقلق المخاوف الوسواسي، وألاحظُ أيضًا أن شدة القلق أعطتك شعورًا بالتغرُّب عن الذات، أو ما يُسمَّى (اضطراب الأنّية)، لكنه من درجة بسيطة.

أيها -الفاضل الكريم-: أول ما أريدك أن تقوم به هو ما نسميه بالتحليل السلوكي، اكتب هذه الأعراض كلها، ابدأ بأبسطها ثم انتقل لما هو أشدَّها فأشدَّها، وبعد ذلك حاول أن تخضعها -واحدة تلو الأخرى- إلى المنطق، إلى التحليل، وابدأ في تحقيرها، واعرف أن كل شيء يُقابله شيء في هذه الدنيا، الخوف يُقابله الاطمئنان والسكينة، والقلق يُقابله السكينة والطمأنينة أيضًا، وهكذا.

فابحث عن هذه المقابلات، واستبدل ما هو سلبي بما هو إيجابي، وعلى نطاق الحياة: أريدك ألَّا تتردد كثيرًا على الأطباء، لكن اجعل لنفسك مواعيد مع طبيب واحد تثق فيه، كالطبيب الباطني مثلاً، أو طبيب الأسرة، تأتيه مرة كل أربعة أشهر، وذلك من أجل إجراء الفحوصات الطبية العامة.

والآن واصل في مراجعة الطبيب النفسي، السبرالكس دواء رائع، وكان من المفترض أن تبدأ بخمسة مليجرام -أي نصف حبة من الحبة التي تحتوي على عشرة مليجرام- لكن ألاحظ أنه قد حدث لك شيء من الآثار الجانبية ممَّا أدَّت إلى ما يمكن أن نعتبره نوعًا من النفور من هذا الدواء، لذا أقول لك: استبدله بعقار آخر مفيد ممتاز، الدواء الآخر يُعرف باسم (زولفت) هذا هو الاسم التجاري، واسمه العلمي (سيرترالين)، والجرعة: تبدأ بجرعة صغيرة، نصف حبة فقط -أي خمسة وعشرين مليجرامًا- تناولها ليلاً لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة واحدة ليلاً لمدة شهرٍ، ثم اجعلها حبتين -أي مائة مليجرام ليلاً- واستمر على هذه الجرعة العلاجية لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة ليلاً لمدة شهرين، ثم اجعلها نصف حبة ليلاً لمدة شهرٍ، ثم نصف حبة يومًا بعد يومٍ لمدة شهرٍ آخر، ثم توقف عن تناول الدواء.

هذا دواء رائع وسليم وغير إدماني، ومفيد جدًّا، وقد أعطيناك له بجرعة صغيرة جدًّا كجرعة بداية أو جرعة تمهيدية، ثم بعد ذلك تنتقل إلى الجرعة العلاجية والتي تصل إلى حبتين في اليوم، علمًا بأن الجرعة العلاجية يمكن أن تصل إلى أربع حبات في اليوم دون أي إشكالية فيما يتعلق بسلامة الدواء، لكن أنا أعتقد أن حالتك سوف تستجيب للجرعة الصغيرة الوسطية التي وصفتها لك.

أيها -الفاضل الكريم-: تمارين والتمارين الرياضية دائمًا تُعطي ثقة كبيرة جدًّا للإنسان للتخلص من مخاوفه، وكذلك وساوسه وقلقه، التعبير عن الذات، وبناء النسيج الاجتماعي المتميز، والقيام بالواجبات الاجتماعية، وواجبات العبادة (الفروض)، الصلاة في وقتها مع الجماعة، هذا -يا أخي- يعطيك دفعًا نفسيًّا إيجابيًّا يجعلك تتخلص تمامًا من هذه المخاوف، واجعل لنفسك (أيضًا) مشروع حياة تُنجز فيه من خلاله ما تُريد أن تأمله وتُنجزه في هذه الحياة.

وللفائدة راجع: علاج الخوف من الموت سلوكيا: (261797 - 272262 - 263284 - 278081)، وعلاج الخوف من الأمراض سلوكيا: (263760 - 265121 - 263420 - 268738).

أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأشكرك على الثقة في إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • السعودية ناصر

    جزاك الله خيرا يادكتور لقد استفدت كثيرا من إجابتك واتبعت تعليماتك وطريقة التحليل وبذات اخذ الدواء واستفدت من الدواء من اول جرعة واحسست بالتحسن بارك الله فيك

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً