الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أكره فكرة الزواج، وأعتبرها شيئا مقززا، كيف الخلاص من ذلك؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أرجو من حضراتكم أن يتسع صدركم لسماع مشكلتي، فقد ذهبت إلى عدة أطباء نفسيين، ولكن ما بداخلي لا أستطيع البوح به لأي أحد وجها لوجه.

أنا أعمل معيدة بإحدى الكليات العملية، دفنت نفسي منذ الصغر في المذاكرة، وبِّت أكره الحياة وأبتعد عن الناس تدريجيا لأسباب عديدة، أحدها مشاكل البيت ومشاجرات والدي المستمرة، وطريقة معاملتهما لبعضهم ولنا كذلك، التي جعلتني أشعر أن الحياة ليست فيها أي بهجة أو سعادة.

زادت وحدتي وعزلتي بمرور الوقت، علما بأن لدي أخوين وليس لدي أخت، حلمت منذ الصغر بالمستقبل السعيد الباهر المشرق والفارس النبيل، ثم أيقنت أن هذا كله مجرد وهم لا أساس له، ولا يمكن أن يكون ومن هو الشخص الذي يمتلك كل هذه المواصفات وسينظر إلى أسرتنا؟ علما بأن والدي يشغلان مناصب محترمة، ولكننا أسرة لا يسودها ذلك الود والدفىء الذي أشاهده بين الناس، ولا حتى في المسلسلات والدراما، فلا يوجد بيننا أي حديث أو مرح أو تفاهم.

المشكلة زادت عندما بدأت أكره نفسي وجسمي -اعذروني على كلامي هذا فأنا لا أستطيع عن أتفوه به لأي أحد- كرهت جسمي بشدة حتى أنني دائما اشتري ملابسي بمقاسات أكبر حتى تخفي معالم جسمي قدر المستطاع، بل وفكرت كثيرا في إجراء عملية لاستئصال صدري الذي أكرهه بشدة وأعتبره شيء سيء ويجلب لي العار، بل تقوس ظهري وكتفي والكل لاحظ وعلق على هذا التشوه الذي أصابني وقد كنت أثني وأحني ظهري لأخفي صدري عن أعين الناس حتى لا ينظروا إليّ كامرأة ناضجة، وأنا ما زلت صغيرة، ولكن المشكلة استمرت معي حتى الآن، والكثيرون يعلقون على مظهري الغريب.

تخيلت يوما أن أمي ستدرك مشكلتي، ولكنها دائما ما كانت تخيب ظني وأملي، لدرجة أنني عندما بلغت أخفيت عنها الأمر لمدة 3 سنوات كاملة، لأنني اعتبرت الأمر مخجل ومحرج للغاية، تفاقمت الأمور بعد تخرجي من الجامعة، زادت الوحدة، وزاد القلق وفقدان الثقة بالنفس والعصبية وكذلك خلافاتي المنزلية، فقد بدأت تطرأ فكرة الزواج، شعرت أمي أن حالة الاكتئاب والمزاج السيء أصبحت خارج السيطرة، وهي لا تدرك كالعادة لا هي ولا والدي سبب ما أمر به.

ذهبت لأكثر من طبيب وأخذت أدوية للاكتئاب بل والفصام أيضا، وكانت الفترة الأسوأ في حياتي، تحسنت وقرر الطبيب وقف العلاج، لكن الأفكار لم تتغير، وكلما طرحت فكرة الزواج أنهار، وأصرخ ونتشاجر دون جدوى، لم تدرك أمي مشكلتي الحقيقية ولم أستطع أن أشكو للأطباء ما أنا فيه.

أنا أكره فكرة الارتباط بشخص أو عائلة لا أعرفها، ولا أتخيل نفسي مع شخص غريب لا أعرفه، وأعتبر الزواج وما يتضمنه من ممارسات وإنجاب أمر مقزز، لا يصح ولا يحتمل ولا أستطيع تخيل نفسي هكذا أبدا، لدرجة أنني عندما كنت أحتاج للكشف لدى طبيبة سيدة كنت أرفض بشدة إظهار أو كشف جسمي، لدرجة أنه في إحدى المرات وبختني الطبيبة بشدة، وطردتني من العيادة وقالت بالحرف الواحد: " كيف سوف تتزوجين وتنجبين؟"، رغم أن ملامحي هادئة جدا وجميلة -والحمد لله-، أمي ستجن بسبب رفضي فكرة الزواج، وحتى رفضي مقابلة أي شخص يعرضونه علي، وكل نقاشاتنا تنتهي بمشكلة أو كارثة لأنها تستفزني وتثير أعصابي ولا تتفهمني أبدا.

أتمنى أن أجد لديكم العون والمساعدة، فقد عدت لأدوية الاكتئاب تحت إشراف طبي بالتأكيد، ولكن ما أعانيه أكبر من الأدوية.

جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ السائل حفظها الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

- بارك الله فيك -أختي العزيزة- وأشكر لك حسن ظنك وتواصلك مع الموقع, سائلاً الله تعالى أن يفرج همك ويشرح صدرك، وييسر أمرك ويرزقك سعادة الدنيا والآخرة.

- ينبغي لكِ -حفظك الله وعافاك- أن تستحضري أن الحياة الدنيا طبعت على الابتلاء, وما أعده الله تعالى من عظيم الثواب والجزاء للصابرين على البلاء الشاكرين للنعماء الراضين بالقضاء, وأن الأصل في الإنسان النقص والعيب, والكمال المطلق لله تعالى وحده.

- من المهم أن تستحضري حسن الظن بالله تعالى وتعززي الثقة بالنفس والرضا عن الذات, ومقارنة ما قد يكون فيك من عيوب بما منحك الله تعالى من الجوانب الإيجابية الكثيرة في شخصيتك في تحليك بهدوء الملامح وجمال الصورة والثقافة والعلم والأخلاق والحياء, كما أن الكمال في الناس نسبي, فتختلف نظرة الناس وتقديراتهم لذلك, وأن نرضى بما قسمه الله تعالى لنا من جوانب أعظم في الدين والخلق والعلم والعفة ونحوها.

- وأما بصدد تقززك وكراهيتك من الارتباط بالزواج وتوابعه, فلا شك أن هذه المشاعر نوع من المتاعب النفسية نتيجة إحباطات وخلفيات نفسية وهمية, وهي -ولا شك- مخالفة للفطرة والطبيعة البشرية والشريعة الإسلامية والمصالح الإنسانية الدينية والدنيوية, ولذا فالواجب عليك إدراكك لمشكلتك وخطئك من الناحية الشرعية, وضرورة مراجعة الطبيبة النفسية المختصة المؤتمنة بشرط البوح لها بكل مشاعرك من غير حياء أو تردد, والاستمرار على العلاج أيضاً؛ لتقديم العلاج النفسي وكذا السلوكي والمعرفي فهو مهم أيضاً, وقد صح في الحديث: (تداووا عباد الله؛ فإن الله ما أنزل داءً إلا جعل له دواءً), وأنا كلي ثقة بإمكانية تحسنك كما سبق لك ذلك بفضل الله تعالى حين استعمالك لدواء الاكتئاب, شريطة التحلي بحسن الظن بالله والثقة بالنفس ومراجعة الطبيبة كما سبق.

- كما ولا ينبغي أن تترددي في البوح بمشاعر الحرج لديك لوالدتك -حفظها الله- مادامت عاقلة ناصحة؛ لإزالة سوء الظن والفهم والتعامل بينكما, وكذا فلا مانع من البوح لصديقتك المخلصة المقربة لديك بمشاعرك وطلب النصح والمشورة منها.

- احرصي على التعامل مع كل أفراد أسرتك بمحبة ومودة وثقة ولطف وتعاون وتسامح كما أمر الله تعالى.

- احرصي على الاهتمام بكل الجوانب الصحية لديك: العضوية والنفسية والجمالية وغيرها.

- وحرصاً على طرد مشاعرك السلبية, فأنصحك بملازمة الذكر والصلاة وقراءة القرآن ومتابعة دراستك وأعمالك الطيبة وتطوير ثقافتك وقدراتك ومهاراتك العلمية والعملية, والتنفيس عن النفس بمزاولة الرياضة والنزهة ولزوم الصحبة الصالحة.

- ولا أفضل وأجمل من اللجوء إلى الله بالدعاء (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء).

- أسأل الله تعالى لكِ التوفيق والسداد, وأن يلهمك الصبر والثقة والصواب والهدى والحكمة والعافية والزوج الصالح والذرية الطيبة والحياة السعيدة والعفة والنجاح والرشاد, والله الموفق والمستعان.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك
  • أمريكا ابواحمد

    انصح الاخت الفاضلة
    بالاضافة الي العلاج النفسي السلوكي
    سورة البقرة يوميا
    الدعاء في الثلث الاخير
    تتعلم ترقي بيتها ونفسها

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأكثر مشاهدة

الأعلى تقيماً