الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الله راض عني؟ ومتى يستجيب دعائي؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

سؤالي عن إجابة الدعاء وتأخرها، وقد شاهدت استشارات عنها، لكني أريد أن أسال عن حالتي التي تتلخص أن الله قد أجاب دعائي من قبل في مشاكل وأزمات أقل بكثير من هذه الأزمة التي أنا فيها الآن، وقد دعوت كثيرا، وبكيت وكلفت من يدعو لي في الحج من أهلي، وشربت ماء زمزم، ودعوت عند شربها، وأخذت بالأسباب المتاحة، والأمر الذي أعانيه هو تعب صحي يمكن الشفاء منه، لكنه قد يحتاج شهورا للتخلص منه.

كنت أريد الشفاء بكن فيكون؛ لأن الابتلاء صعب وشديد ومتعب ومؤلم، وكنت قريبا من الله دوما، مع أني أبتعد تارة وأقترب تارة، لكني كنت دوما على اتصال يقوى ويضعف -ولله الحمد-، الآن أنا مؤدي للفرائض -ولله الحمد- وآخذ بأسباب دفع ذلك البلاء على قدر المستطاع، لكنه يحتاج وقتا وهدوءً نفسيا تاما، وقد يحتاج لستة أشهر أو نحوها، ودوما يأتي لي الوسواس، دعوت كثيرا، ولم أجد إجابة سريعة لبلائي، والوسواس، أو كثرة التفكير تضرني للغاية، ولذلك فوضت الأمر لله، ولم أعد أدعو ببكاء كثيرا، قلت إن الله مخرجي من ذلك البئر المظلم؛ لأني قد دعوت وأخذت الأسباب، وتقليلي من الدعاء؛ لأني إذا دعوت تأتيني الأفكار أنت دعوت، ولا إجابة ولا زلت مريضا، وهكذا.

باختصار ما السبب في تأخر إجابتي رغم أني -ولله الحمد- أحاول إرضاء ربي، وعدت لحفظ القرآن بعد تركه، وثانيا كنت أرغب برؤيا بفرج بشيء يبشرني، ولم أجد، مع أنها كانت ممكن تؤيدني وتثبتني في محنتي وهي على الله يسيرة.

أخيرا: هل الله راض عني أم لا؟ وكيف أعرف ذلك؟ والصراحة المستقبل صعب بالنسبة لي، وأريد أملا؛ لأن الحياة سدت أبوابها في وجهي -والحمد لله- على كل حال، وشكرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ abdo حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أعلم أن الفرج بيد الله سبحانه، وأن الله كريم رحيم جواد، فأحسن الظن به سبحانه، وثق أن الله سيأتيك بالشفاء عاجلا أو أجالا، ولا تستعجل الإجابة فإن الله حكيم خبير جعل لكل شيء أجلا وقدرًا، وما يدريك أن الله يريد لك الخير في تأخير الإجابة لك، فقد يكون في ذلك تطهير لسيئاتك ورفع لدرجاتك، وليس بالضرورة أن يكون الابتلاء عقابا للشخص، بل قد يكون تمحيصا ورفعة له في الآخرة إن كان من الصالحين.

فعَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: " قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟، قَالَ: ( الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ ) رواه الترمذي وابن ماجه وصححه الألباني.

فاصبر واحتسب الاجر والثواب، ولا تتسخط على قدر الله سبحانه، بل عليك أن تتذكر يوم التغابن، وهو يوم القيامة، يوم يتمنى أهل العافية لو كان وقع عليهم من البلاء ما وقع، ثم كفرت عنهم خطاياهم، ورفعت لهم درجاتهم، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ - رضي الله عنهما - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ( يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حِينَ يُعْطَى أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ، لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ". رواه الترمذي وحسنه الألباني.

أما أسباب تأخر الإجابة الدعاء، فقد وردت في بعض الأحاديث منها:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ( لَا يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الِاسْتِعْجَالُ قَالَ يَقُولُ قَدْ دَعَوْتُ وَقَدْ دَعَوْتُ فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدُّعَاءَ ) رواه مسلم.

- وفي حديث آخر ذكر مانعا آخر لاستجابة الدعاء، وهو أكل الحرام فعن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله طيب لا يقبل الا طيبا ...) الحديث، وفيه: (ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟!» (رواه مسلم).

- وعن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:( ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه ) [رواه الترمذي] .
- والحقيقة أن تأخر إجابة الدعاء عن العبد المسلم الذي يعرف حكمة الله وعدله يدفعه ذلك إلى إتهام نفسه بالتقصير والاجتهاد أكثر بالطاعة والقرب من الله والتذلل إليه، فيزداد بسبب ذلك قربه من الله والحاحه عليه بالدعاء وانتظار الفرج.

- أما غيره ممن يجهل الحكمة فإنه قد يتهم الله سبحانه بعدم استجابته لدعائه ويصاب بسبب ذلك بالقنوط واليأس، ويقع بهذا في حبائل خطوات الشيطان التي يستزل بها الخلق، والعياذ بالله.

- وهناك كلام مهم ويعالج ما تعاني منه للإمام ابن الجوزي رحمه الله في هذه المسألة، أنقله لك بنصه لأهميته، قال رحمه الله:
" رأيت من البلاء أن المؤمن يدعو فلا يجاب، فيكرر الدعاء وتطول المدة ولا يرى أثرا للإجابة؛ فينبغي له أن يعلم أن هذا من البلاء الذي يحتاج إلى الصبر، وما يعرض للنفس من الوسواس في تأخير الجواب مرض يحتاج إلى طب؛ ولقد عرض لي من هذا الجنس؛ فإنه نزلت بي نازلة فدعوت فلم أر الإجابة، فأخذ إبليس يجول في حلبات كيده، فتارة يقول: الكرم واسع، والبخل معدوم، فما فائدة التأخير! فقلت له: اخسأ يا لعين، فما أحتاج إلى تقاضي، ولا أرضاك وكيلا!

ثم عدت إلى نفسي فقلت: إياكِ و مساكنةَ وسوسته، فإنه لو لم يكن في تأخير الإجابة إلا أن يبلوك المقدر في محاربة العدو، لكفي في الحكمة، قالت: فسلِّني عن تأخير الإجابة في مثل هذه النازلة! فقلت: قد ثبت بالبرهان أن الله عز و جل مالك، وللمالك التصرف بالمنع والعطاء؛ فلا وجه للاعتراض عليه.

والثاني: أنه قد ثبتت حكمته بالأدلة القاطعة، فربما رأيتِ الشيء مصلحةً، والحكمة لا تقتضيه، وقد يخفى وجه الحكمة فيما يفعله الطبيب من أشياء تؤذي في الظاهر، يقصد بها المصلحة، فلعل هذا من ذاك.

والثالث: أنه قد يكون التأخير مصلحة، والاستعجال مضرة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يزال العبد في خير ما لم يستعجل، يقول دعوت فلم يستجب لي ).

الرابع: أنه قد يكون امتناع الإجابة لآفة فيكِ؛ فربما يكون في مأكولك شبهة، أو قلبك وقت الدعاء في غفلة، أو تزاد عقوبتك، في منع حاجتك لذنبٍ ما صدقتِ في التوبة منه.
فابحثي [ يا نفس ] عن بعض هذه الأسباب لعلك تقعين بالمقصود.

والخامس: أنه ينبغي أن يقع البحث عن مقصودك بهذا المطلوب؛ فربما كان في حصوله زيادة إثم، أو تأخيرٌ عن مرتبة خير، فكان المنع أصلح!

وقد روي عن بعض السلف أنه كان يسأل الله الغزو، فهتف به هاتف: إنك إن غزوت أُسرت، وإن أُسرت تنصرت!
والسادس: أنه ربما كان فقد ما فقدته سببا للوقوف على الباب واللجْء [ أي: اللجوء إلى الله ]، وحصوله سببا للاشتغال به عن المسؤول، وهذا الظاهر؛ بدليل أنه لولا هذه النازلة ما رأيناك على باب اللجء ... وإنما البلاء المحض ما يشغلك عنه، فأما ما يقيمك بين يديه ففيه جمالك!

وإذا تدبرت هذه الأشياء تشاغلت بما هو أنفع لك من حصول ما فاتك؛ من رفع خلل، أو اعتذار من زلل، أو وقوف على الباب إلى رب الأرباب! " انتهى. من كتابه صيد الخاطر (59-60).

نصيحتي لك أن تقرأ هذا التوجيه مرارا، وحاول العمل به، وأكثر من التسبيح والتهليل والاستغفار، ولا تلتفت للوساوس والخواطر، واقطعها بالذكر ولن تضرك -إن شاء الله- .... ولا تحتاج إلى رؤيا، بل عود نفسك على الأمل والتفاؤل في اليقظة، وفكر إيجابيا بالمستقبل، وسيأتيك الفرج -إن شاء الله- فالأمر بيد الله سبحانه.

أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ويعافيك من كل داء يؤذيك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً