الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخطئ في حق أمي بسبب قسوتها وعنادها وشحها العاطفي!

السؤال

أبلغ من العمر ٣٣، لدي أزمة لم أعرف لها حلا، امتحان فشلت فيه!

المشكلة هي والدتي -حفظها الله-، والأزمة منذ الصغر بعد وفاة الوالد في وقت مبكر، ربتنا والدتنا في انعزال عن الأقارب ومحيط العائلة، أربعة إخوة ذكور مع الوالدة والجدران، انغلاق تام! أنوه أن والدتي متدينة، صوامة قوامة ليل، قارئة للقرآن، مع هذا فهي أم نكدية لأبعد الحدود، ترى دائما أنها على صواب، تتصيد الأخطاء والنقائص، تتجاهل الإنجاز والنجاح بحجة أن المديح سيصيبك بالغرور، كلامها الناقد أكبر من حجم التقصير، يصيب الشخص بالإحباط، وتعكر المزاج، والاستفزاز، عنيدة لأبعد الحدود، أرى فيها نوعا من الكبرياء الزائد بسبب أنها من أعبد الناس.

أنا الأصغر، عمري ٣٣، أعاني من القلق والاكتئاب منذ نعومة أظفاري، أتناول أدوية نفسية منذ سن ١٨، نعاني من قطيعة الأرحام، حسب وجهة نظري أن إحدى أسباب قطيعة الأرحام هي بسبب جشع واعتداء هؤلاء الأرحام، والسبب الآخر هو كبرياء والدتي الزائد، وادعاؤها أنها لن تكون في حاجة أحد، فأصبحت هناك قطيعة لسنوات، تعلمت والدتي الدرس، وأصبحت تصلهم، لكنهم بعد عشرات السنين من القطيعة لا يهتمون بها أو بنا كأقارب.

والدتي فيها قسوة كبيرة، مع أنني رجل إلا أنني أشعر بحرمان عاطفي، وإن لم تجده من أمك من سيعطيك الحنان ويتنازل من كرامته لأجلك؟!

أنا ووالدتي دائما ندخل في جدل وكلام، ولا بد من أي نقاش معها أن ينتهي بجدل حاد، أرفع صوتي عليها، وأتلفظ بكلام قاسي تجاهها، إذا ذهبنا للسوق يحدث جدل، أين سأوقف السيارة، هنا أو هنا أفضل! عند دفع النقود يحدث جدل حاد عند "الصندوق"، لدرجة لفت انتباه الزبائن! عند الذهاب لمكان مشيا على الأقدام يحدث جدل، أي الطريق سنسلك! لدرجة أن يذهب كل منا بطريق لوحده، وأي باص سنركب، نختلف ونتجادل، وتذهب لتركب باصا آخر لوحدها! النقاش معها عقيم، عنيدة لأبعد الحدود، أخطأت مرة في عدم طاعتها لدفع مبلغ لأحد المتاجر لشراء حاجيات بسبب حاجتي لمال، فسألت الله إن كانت تصلي وتصوم من أجله أن لا يبارك لي في مالي، استشطت غضبا من تفاهة الموقف الذي بسببه دعت علي، وبدأت أقول كلاما قاسيا لها للأسف!

أنا الآخر لدي علل نفسية كثيرة، وحساس جدا، وعندي كبرياء زائد أنا أيضا، وعنيد جدا، وأجادل كثيرا، وإذا استشاطت مشاعري أفقد السيطرة على الموقف.

أصدقائي قلة، الناس تكرهني من دون سبب، لدي قناعة أن السبب هو سوء معاملتي مع والدتي، ورفع صوتي عليها، وقولي الكلام الناقد لها، سبب هذا بركان من الغضب تجاه النساء، فأنا أكره النساء، وبسبب تعاملي مع بعضهن فهن سواسية، كلهن يظهرن بثوب الضحية، وكبرياؤهن وكرامتهن فوق السحاب، لا منطق في التعامل معهن، لماذا الرجل يتنازل عن كرامته ويتقدم للزواج منهن؟! لماذا على الرجل أن يتنازل ويعتذر للمرأة وهو لم يخطئ؟! لم علينا أن نظهر بثوب الرومانسي فقط لإرضائهن؟ أستوحش الحياة من وحدتي.

لا أكره والدتي ولا أحبها للأسف! قلبي ينقبض تجاهها، وأنفر منها، هل من مخرج أم أنتظر عقوبة ربي بسبب ظلمي لأمي، أم أترك المنزل وأسكن بعيدا لتهدأ أعصابي؟

وأخيرا: أعترف بأني لم أفعل ما أوجبه الله علي من اللطف بالوالدين، ولكن للأسف فشلت في أن أعامل والدتي بهذا؛ لأني لا أرى منها القسوة العاطفية، والشح العاطفي، والعناد، واتهامي بالمرض، والخطأ دائما.

بالنسبة لمرضي النفسي أتناول عقار الأفكسور منذ سنة وشهر، بعد أن وصلت للجرعة القصوى أحاول سحبه بالتدريج، لكن لا علاقة بمشكلتي هذه، فهي منذ سنوات.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ Ali حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أخانا الفاضل- في موقعك، ونشكر لك الاهتمام، وحسن العرض، والتوضيح للسؤال، ونسأل الله أن يرزقك بر الوالدة، وأن يصلح الأحوال، وأن يرحم والدك وأمواتنا وأموات المسلمين، وأن يحقق في طاعته الآمال.

لا شك أن صبرك على الوالدة من أهم أبواب برها، وإذا لم يصبر الإنسان على والدته في أيام ضعفها، وكبر سنها، فعلى من سيكون الصبر؟!

ونحن نهنئك على بقاء الوالدة على قيد الحياة، ونبشرك بأن إرضاء الوالدة من أيسر ما يكون، فاجتهد في محو ما حصل، واستعن بالله -عز وجل-، واعلم أن من واجبك حسن الاستماع والانصياع لرأيها، إن كان صوابا، والتنازل عن قناعتها.

أما إذا كان في رأيها خطأ أو ضرر؛ فكن مستمعا جيدا، ولا تفعل بعد ذلك إلا ما فيه إرضاء لله، ثم ما يحقق لك ولها المصالح الراجحة.

ولا يخفى على أمثالك أن الشدة على الوالدة أو الوالد لا تقبل حتى لو كانا يأمراننا بمعصية، لكننا لا نطيعهم في معصية الله، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وأجمل ما يمكن أن نستدل به على ما ذكر هو موقف سعد بن أبي وقاص مع أمه، وكان من أبر الناس بها، فلما أسلم رفضت إسلامة، وأصرت على أن تضعه في أحرج موقف؛ حيث رفضت طعامها والشراب حتى تموت ليُعيَّر بها، فما كان من سعد إلا أن ترجاها ولاطفها وحاول معها، فلما أصرت، أخبرها بأنه لن يترك دينه، فأكلت وشربت، ونزل القرآن تسجيلا لما حصل وبيانا للأحكام، قال تعالى: (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا).

وأرجو أن تلاحظ أنه لم يقل أشتمها أو أعاملها بسوء، رغم أنها تدعوه لأكبر الجرائم، ولكن جاء التوجيه (وصاحبهما في الدنيا معروفا)، فاتق الله في أمك الصوامة القوامة، والتمس رضاها، فإن إرضاءها مما يرضي الله.

ونحن بلا شك لا نوافق على ترك البيت لها؛ لأن ذلك بلا شك مما يؤذيها، واعلم أن البر عبادة، وأن المهم هو إرضاء الله، فقم بما عليك كاملا مهما كانت تصرفات الوالدة، ولا تعاملها معاملة الند للند، فهي أم ولها حق الاحترام والتقدير.

وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونتمنى أن لا تحكم على جميع النساء بما أنت فيه، فأصابع اليد الواحدة بينها فروق.

نسعد بتواصلك مع موقعك، ونتمنى أن تعرض معاناتك الصحية على المستشارين في موقعك، وساعدهم بشرح معاناتك؛ حتى تصلك الإرشادات والتوجيهات.

ونسأل الله أن يوفقك، وأن يرفعك عنده درجات.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً