الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أتمنى الخروج من هذا الاكتئاب القاتل، ساعدوني!

السؤال

السلام عليكم

أنا شخص دائم الاكتئاب منذ سن المراهقة، وقد يرجع ذلك إلى تربيتي التي كانت انطوائية نوعا ما، فقد كنت ولا زلت أتحاشى الاختلاط بالناس، وأحاول أن أبتعد عن أي تجمع، وإن حدث وتواجدت وسط أشخاص دائما أحاول أن أخفي توتري وقلقي منهم، وأحاول أن أظهر ثقتي غير الموجودة بنفسي.

دائما تتحول كل اللحظات الطيبة معي إلى اكتئاب غير معلوم السبب، ودائما أفكر في كل ما هو سلبي، مثل: إن تزوجت قد لا ينجح الزواج، وقد لا أنجب، وقد أطلق ولا أتفق مع زوجتي، وأظل أفكر في عواقب أمور قد لا تحدث أساسا مما يشكل علي عبئا وضغطا نفسيا كبيرا، خصوصا وأنني قد أكون شخصا حساسا بشكل كبير، ولا أنظر دائما لأي شيء إلا من خلال هذه النظرة.

إن فكرت أن أغير مكان عملي أظل أفكر في فشلي وتركي للوظيفة وجلوسي بدون عمل، ودائما ترتبط معي زيارة بعض الأماكن بالاكتئاب، خصوصا عندما نسافر إلى الاسكندرية للمصيف، والذي من المفترض أنه يحمل مشاعر مفرحة أجد نفسي مكتئبا وحزينا ومهموما، ودائم القلق والتوتر؛ لأنه منذ أيام المراهقة ارتبطت لدي زيارة الاسكندرية بنتيجة الثانوية العامة، وكنت خائفا وقلقا لدرجة الموت.

لي أخ مسافر، وعلاقة زوجته بأختي ليست جيدة، فأظل أفكر وأخاف من حدوث مشكلة بينهم طوال فترة إجازته، وقد لا يحدث شيء بينهم، ولكن هذه الحالة تصيبني بالرعب والقلق المستمر، مما يفسد علي حياتي ولحظاتي الطيبة، وبسبب هذا الخوف أصبت بالقولون العصبي منذ سن 13 سنة، وحتى عندما خطبت فتاة منذ وقت قريب أصبحت لا أرى إلا الهم والقلق، ولا أفكر إلا فيما بعد الزواج "قد أترك العمل، ولا نجد مال، وقد تحدث مشاكل بيننا ونترك بعضنا ونذهب للمحاكم، وهكذا".

هذه الحالة أفقدتني نفسي وفرحي تماما، وأصبحت مكتئبا طول الوقت، حزينا مهموما لا أجد  لأي شيء طعما، وليس لدي دوافع لأي شيء، وأبكي كثيرا دون سبب معين، ولكن بسبب ما أشعر به في صدري ويدور داخلي كأنه بركان، لدرجه أني تمنيت أن أصاب بأي مرض عضوي بدلا من الاكتئاب الذي يدمرني ويعتصرني، ولا أجد له حلا.

بدأت أسأل عن مضادات الاكتئاب، وبدأت بسيبراليكس نصف حبة تركيز 10 مل، ولم أجد تحسنا يذكر، إلا أنه بعد فترة من ترك العلاج تحسنت قليلا، ثم عادت تلك الحالة، فبدأت بدواء ريميرون 30 نصف حبة مساءً، ولكن آثاره الجانبية ككثرة النوم اضطرتني أن أتوقف عنه، وكنت أتناول موتيفال لمدة ثلاثة أشهر ولم أشعر بتحسن أيضا وتوقفت عنه.

الآن لا آخذ أي دواء، ولا أخفي سرا إن قلت أنني فكرت في الانتحار لكي أرتاح مما أنا فيه، وكان ذلك أثناء قيامي بالصلاة في رمضان بعد انقطاع طويل، ومنذ بدأت الصلاة بدأت وساوس تجتاح عقلي تخص أفكار سيئة بالذات الإلهية، وحاولت مرارا أن أطردها من رأسي ولكن دون جدوى، فقد تمكنت مني إلى أن أصبحت لا آكل ولا أنام، وأبكي، حتى تركت الصلاة، وبعدها بدأت الوساوس في الاختفاء تماما، ومنذ وقتها وأنا لا أصلي بسبب خوفي من معاودة هذه الحالة، وعلى هذا المنوال أشياء وأمور كثيرة قد تكون صغيرة لا أفكر فيها إلا من المنظور السييء فقط، وأحمل هم المشاكل التي قد تحدث، واللحظات الطيبة مثل نزولي إجازة من العمل، أو مقابلة أهلي، أو عودة أخي وأسرته من السفر، ولقاء خطيبتي، والسفر للمصيف أصبح يشكل علي عبئا وضغطا نفسيا رهيبا لا أتحمله، وأصاب باكتئاب يهز أركاني ويجعلني أتمنى الموت لأرتاح من هذا الشعور.

وأنا جالس في وقت لا أقوم فيه بشيء أجد الأفكار السيئة والمخيفة والظنون الخبيثة تترامى إلى ذهني كالسيل، ولا أستطيع إيقافها، مثلا: أتخيل أن سقف المنزل ينهار علي، أو يحدث انفجار شديد، أو أن أحدهم سيتصل يخبرني خبرا مفجعا، أصبحت لا أنام ولا آكل، وأهملت نفسي وعملي وأسرتي، ولا أجد طعما لأي شيء، وأقول لنفسي: ما الهدف من وجودنا في الحياة؟ ولا دافع للحياة، وأبكي كثيرا كيوم خطبتي، بكيت وحزنت دون سبب، وكنت ولا زلت أشعر أنني ومن حولي في حلم، وكأنني منعزل عن العالم الخارجي، وأصبحت حياتي حزينة منذ أن أستيقظ وحتى أنام، وشعور الحزن والضيق والأفكار السيئة يجعلني متوترا وخائفا، وتزيد ضربات قلبي، وأشعر أن صدري به نار.

آسف على الإطالة، لكن أتمنى من الله أن تساعدوني بالأدوية والنصح لكي أتمكن من الخروج من هذا الاكتئاب القاتل.

وشكرا لكم.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:

مشكلتك الأساسية -أخي- هي النظرة التشاؤمية السلبية، والرجوع إلى الماضي وأساليب التربية، وأن تراها هي جوهر المشكلة، هذا النوع من الفكر يجب أن يتغير تماماً، ما مضى قد مضى وأنا على ثقة تامة أن حياتك وتربيتك لم تكن بالسوء، أو الصعوبة التي تتصورها، الآن مشكلتك الحقيقية هي الوساوس القلقية التوقعية، أنت تفترض شيئاً وبعد ذلك تبدأ تسترسل فيه بتشاؤمية شديدة جداً وشكوك وسواسية، هذا النمط من التفكير هو بالفعل يؤدي إلى شعور بالاكتئاب، لأنك تتحدث عن شيء في المستقبل ليس بين يديك الآن، إذا حدث كده سوف يحدث كده، وإذا قمت بكده سوف أصل إلى النتيجة كذا، وهكذا.

هذا نوع من التوجس السلبي جداً، وكفاءتك الاجتماعية -وكما تفضلت- ومع احترامي الشديد ليست بالجودة التي تساعدك، فأمر علاجك -إن شاء الله تعالى- سهل وبسيط، الآن وددت أن أوضح لك لتفهم حالتك وهذا أمر مهم، الكلام على الانتحار أمر محسوم بالنسبة للمسلم، لماذا تنتحر (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما)، والحياة طيبة وكل شيء خلقه الله تعالى بثنائية عظيمة، الحزن يقابله الفرح، الاكتئاب يقابله الانتشاء، المرض يقابله الصحة، الموت يقابله الحياة، وهكذا، الخيار موجود فلا تغلق نفسك في دهاليز ظلامية وترى أن أمورك سيئة بالكيفية التي تحدثت عنها لا.

أول ما أنصحك به من الناحية العلاجية ليس الدواء، إنما تقوم بخطة لتنفيذ كل الواجبات الاجتماعية مهما كانت مشاعرك، مهما كانت أفكارك، إذا كان هنالك مريض في المستشفى يجب أن تذهب وتزوره، بعد أن تكمل الزيارة سوف تحس بالراحة لأنك -إن شاء الله تعالى- أخذت من أجري الدنيا والآخرة، إذا دعاك أحد لفرح لا بد أن تذهب، إذا كان هنالك عزاء أو مشي في جنازة هذا يجب أن لا يفوتك أبداً، اذهب وزر صديقاً، اخرج مع بعض الذين تعرفهم إلى مطعم، واجلس مع المصلين لفترة 5 إلى 10 دقائق بعد انتهاء الصلاة، هذه أمور عظيمة ومتوفرة في حياتنا، وهي التي تجعل حياتك سعيدة جداً، لأن بناء النسيج الاجتماعي حين يتكون على هذه الكيفية هذا فيه فائدة عظيمة جداً لك، والأمر الآخر -أخي الكريم- لا بد أن تنظم الوقت الذين ينظمون أوقاتهم نجحوا في حياتهم، إلجأ إلى النوم الليلي المبكر، مارس الرياضة، تجنب النوم النهاري، اقرأ واطلع، اهتم بغذائك، صل رحمك، طور نفسك على المستوى المهني.

مهما كانت المشاعر يجب أن تسبقها الأفعال، لأن الأفعال حين ننجزها تعود علينا بمردود نفسي إيجابي عظيم، بالنسبة للوساوس هذه حقرها وأغلق الباب أمامها، ولا تناقشها ولا تعطها أي قيمة، الدواء أعطيك بشرى كبيرة أن عقار بروزاك يضاف إليه عقار فافرين مع جرعة صغيرة من عقار رزيبيريادون سيكون هو العلاج الأمثل في حالتك، ابدأ البروزاك بجرعة كبسولة واحدة في الصباح 20 مليجرام ثم ابدأ الفافرين والذي يعرف باسم فلوفكسمين بجرعة 50 مليجرام ليلاً، استمر على هاتين الجرعتين لمدة شهر، بعد ذلك ارفع الفافرين إلى 100 مليجرام ليلاً، وأضف إليه 1 مليجرام من الرزبيريادون، إذاً تكون خطتك العلاجية بروزاك زائد فافرين زائد رزبيريادون.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً