الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

خجل ولا أحسن التصرف وأتردد في اتخاذ القرارات!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب، عمري ٢٢سنة، في حالة لا يعلم بها إلا الله، فأنا أستفيق في الليل، وأحس بندم شديد بسبب مشاكل في حياتي أولها الخجل من الفتيات لحد كبير، لدرجة أنني عندما أتحدث مع فتاة أبدو كالأبله أحمر وأتلعثم.

وحدث لي مؤخرا بسبب عملي حيث إنني تركت عملين سابقين بسبب مشاكلي مع زملائي، وما يكيدون لي بسبب الحسد، ولصغر عمري، ومؤخرا كنت أعمل في مجال غير مجالي بعقد دائم، وراتب جميل، ووعدوني بالترقية، جاءتني فرصة لتركه على حساب عمل في مجالي، فاستخرت، ورأيت أن الأول أفضل لي فرفضت، وندمت بعدها ندما شديدا.

بعدها بأسابيع اتصل بي أستاذ درست عنده للعمل معه في مجالي، ولكن بدون أي عقد أو وثيقة ثم حرت فرفضت في الأول، فرجعت لعملي، فحصل معي مثل ما حصل في الأول، فرجعت عند الأستاذ فرفضني فمسحت بكرامتي، وترجيته بشدة، وهذا ما دمرني بشدة، بعدها عندما تركت العمل بالعقد الدائم، وذهبت لأستاذي ندمت ندما شديدا.

الآن أصبحت لا أنام إلا بمشقة، وأستيقظ في الليل، وقلبي يخفق بشدة، ورأسي يؤلمني، ولا أتحكم في تصرفاتي في بعض الأحيان، أصبحت أتكلم لوحدي، ولا يعلم بحالي إلا الله، أرشدوني جزاكم الله خيرا.

أفكر في الذهاب لطبيب نفسي، وخفت أن يطردني أستاذي وأنا من يعول والدي وإخوتي نظرا لحالتنا الاجتماعية المتواضعة، أتمنى أن تنصحوني جزاكم الله خيرا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم.
الأخ الفاضل/ حسن حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

يجب أن تنظر إلى نفسك - أيها الفاضل الكريم - بصورة أكثر إيجابية، أنت شاب، الذي يظهر لي أن فيك كثيرا من الحياء، والحياء شطر من الإيمان، وقد يكون فيك أيضًا نوع من الخجل أو الخوف الاجتماعي، وأكثر من ذلك: أعتقد أن تقديرك لذاتك سلبي، لا تُقدِّر ذاتك سلبيًّا، نعم الإنسان يجب ألَّا يُضخم نفسه ولا يعتدّ بها كثيرًا، ولكن في ذات الوقت أن تُقلِّل من قيمة ذاتك بالكيفية التي ظهرتْ من خلال رسالتك هذا ليس أمرًا صحيحًا.

أنت شاب، صغير في السن، الله تعالى حباك بطاقات ومقدرات كثيرة، فلا تُقلِّل من شأن نفسك، والإنسان يتعامل مع الناس بأدبٍ وذوق، ودائمًا التفاعل مع الصالحين من الناس يعطيك ثقةً كبيرة جدًّا في نفسك.

موضوع الندم الشديد لسبب مشاكل في الحياة، وما تحدَّثتَ عنه أمرٌ عاديّ جدًّا، لا تُضخم الأشياء - أيها الفاضل الكريم - ولا تكن حسَّاسًا حيالها.

الخجل من الفتيات - أخي الكريم - يجب أن يكون هنالك خجل بالفعل لكن في حدود المعقول، لابد أن تُراعي الضوابط الشرعية في هذا الأمر، وإن قمت بذلك سوف يوفقك الله تعالى لأن تتحدث مع الفتاة حين يكون الحديث مطلوبًا، ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وُصف بأنه كان أشد حياء من العذراء في خِدرها، ولا تتحدث مع الفتيات حين يكون الأمر خارجا عن النطاق الشرعي.

ثقة في النفس وتدبُّر وتأمُّل، هذا هو المطلوب.

وأنا أنصحك أن تضع لحياتك أهدافا، ما هي أهدافك في الحياة؟ ما هي غاياتك؟ ما الذي تريد أن تقوم به؟ ويجب أن تضع الخطط المنطقية والعملية التي تُوصلك إلى أهدافك.

أيها الفاضل الكريم: احرص على صلاة الجماعة، هذه نصيحة خذها مني، لأن صلاة الجماعة من أكبر وسائل التأهيل الاجتماعي النفسي للإنسان، تزيد من مهاراتك، تجعلك تُقيِّم نفسك تقييمًا صحيحًا، تجعلك تلتقي بالصالحين من الناس، وهذا قطعًا يُعالج الرهاب تمامًا، {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلَّا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}.

أيها الفاضل الكريم: نظِّم وقتك، نم مبكِّرًا، واستيقظ مبكّرًا، وابدأ يومك بصلاة الفجر، وكن شخصًا صاحب إنجازات ممتازة خاصة في فترة الصباح، وعليك أن تكون حريصًا جدًّا بأن تقوم بالواجبات الاجتماعية، لا تتأخّر عن الواجبات الاجتماعية (الأفراح، الأعراس، الجنائز، زيارة المرضى، صل رحمك، زر أقربائك، وزر أصدقائك، وقل للناس حُسنًا، وافعل الخير، تفقَّد الجيران وأحسن إليهم، جالس أصحاب العلم والعلماء). الواجبات الاجتماعية تُحسِّن المهارات الاجتماعية لمن يؤدِّيها، وهذا كله يعود عليك عائدًا عظيمًا فيما يتعلق بالبناء النفسي لشخصيتك وثقتك في ذاتك.

أنا أنصحك - حقيقة - بأن تكون أيضًا شخصًا فاعلاً في أسرتك، كن صاحب مبادرات إضافية، اسعَ دائمًا لتطوير الأسرة، هذا يُعطي عنك انطباعًا جميلاً وسط إخوتك ووالديك، وهذا نوع من البر للوالدين وللأسرة كلها.

إنْ ذهبتَ إلى طبيب نفسي فهذا أمرٌ جيد، والطبيب النفسي سوف يعطيك تقريبًا هذه الإرشادات وقد يزيد عليها، وقد يصف لك أحد الأدوية المضادة لقلق المخاوف. عقار مثل الـ (سبرالكس) سيكون رائعًا وممتازًا، وأنت تحتاج له بجرعة صغيرة، تبدأ بنصف حبة - أي نصف حبة مليجرام- يوميًا لمدة عشرة أيام، بعد ذلك اجعلها حبة واحدة يوميًا لمدة ثلاثة أشهر، ثم اجعلها خمسة مليجرام يوميًا لمدة أسبوعين، ثم خمسة مليجرام يومًا بعد يومٍ لمدة أسبوعين آخرين.

تناول الدواء بهذه الكيفية أو حسب ما يصفه لك الأخ الطبيب المعالج.

بارك الله فيك، وجزاك الله خيرًا، وبالله التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً