الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل لزوجتي حق على أولادي الذين ربتهم واعتنت بهم منذ الصغر؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بارك الله فيكم.

كان عندي زوجة ولي منها 4 بنات وولد، مرضت هذه الزوجة وأولادي كلهم صغار، وقدر الله أن أتزوج ثانية، وأكبر بناتي في الرابعة عشر من عمرها.

عندما تزوجت هذه المرأة وهي طالبة علم شرعي، وقد تربت في بيت علم ودين، كانت بناتي وابني لا يعرفون شيئا من أمور دنياهم ولا دينهم، فأمهم مريضة وأنا كثير الانشغال، تبرعت زوجتي الثانية -جزاها الله خيرا- باحتضان أولادي، وربتهم كخير ما تربي امرأة أولادها، علمتهم القرآن حتى صار الخمسة حفاظا لكتاب الله، وعلمتهم الصلاة والصيام وقيام الليل، وكل ما يلزمهم من العلم الشرعي وزيادة، كما علمتهم أمور دنياهم، حتى ذاع صيت عائلتي، فصار الناس يخطبون بناتي على سمعتهم، وأولادي أحبوها بشدة حتى نادوها بأمي، وصاروا يقولون للناس ويقولون لي نحن لم نر الحياة إلا بعد ما رأيناها، وأنا بعد الله أشهد أنها كانت نعم الأم لهم حتى كأنها أمهم التي ولدتهم، حتى لم تفرق بينهم وبين أولادي منها.

بعد عشر سنوات من تفانيها تدخل أخوالهم وصاروا يوسوسون لأولادي ضد زوجتي التي ربتهم، حتى نجحوا في جعلهم يجحدون معروفها، وفرقوا بين أولادي من زوجتي، وتسببوا في مشاكل أسرية، فجاء أولادي يكذبون عليها ويفترون، ولما سمعت قولهم صدقتهم لأني لم أتوقع أن يكذبوا، وهم على ما أرى من الصلاح، فقمت إليها وضربتها ضربا مبرحا، وبعد أن هدأت وواجهتها بهم اكتشفت أن كلامهم كله كذب وأنهم ظلموها.

فطلبت من ابنتي اللتين افترتا عليها أن يقبلن رجلها بمثابة اعتذار لها، وما في عقلي إلا أنها أمهم التي ربتهم وهن افترين عليها، فرفضت ابنتاي ذلك، وزوجتي رفضت أيضا، لكني أصررت حتى قبلتا رجلها.

فهل أنا آثم بفعلي هذا؟ هل لهذه المرأة حق على أولادي؟ المشايخ عندنا يقولون لا حق لها ألبتة، هي لها جزاء من الله فلتنتظره، أما منهم فليس لها أدنى حق، حتى هي تقول أنا فعلت لله، لذلك لم تندم على ما قدمت بعدما جحدها أولادي، وأنا أسأل كيف لم يجعل لها شرع الله أدنى حق بعد كل هذا التفاني، وكل هذا العطاء؟

والله لقد كانت لهم خيرا من أمهم لو أنها كانت معافاة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عايض حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

مرحبا بك -أخي الكريم- وردا على استشارتك أقول:
- فجزى الله هذه المرأة خير الجزاء على ما قدمت، فلقد كانت نعم الخالة والمربية، وغيرها ربما لا تقبل أن تحتضن أبناء ضرتها ولا أن تربيهم، ونسأل الله تعالى أن يلهم الأبناء الرشد، وأن يرد كيد من حرضهم على خالتهم في نحورهم، إنه سميع مجيب.

- أخي الكريم: لا بد أن تعتذر من زوجتك كونك ضربتها وأن تجازيها على ما قدمت بما تراه مناسبا، كأن تهدي لها هدية مناسبة، وعليك أن تكون متأنيا في المرات القادمة فلا تصدر أي حكم إلا بعد أن تتأنى وتتأكد من كل المعطيات، فالحكم في حال الغضب غالبا ما يكون فيه جور؛ ولذلك نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- الحاكم أن يحكم وهو غضبان.

- صحيح أن زوجة الأب ليست أما، ولكن احترامها وإكرامها يعد من إكرام الأب ومن البر به في حياته وبعد مماته، كونها من أحباء الأب، فقد روى مسلم في صحيحه (إن من أبر البر صلة الرجل أهل ود أبيه)، فكيف إذا كانت هذه المرأة قد برت بهؤلاء الأبناء وربتهم أحسن تربية، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان.

- بعض الناس يظنون أن الإحسان إلى زوجة الأب يعد إساءة للأم وجحودا لحقها، وهذا ظن خاطئ، فللأم حقها كأم، وللخالة حقها كزوجة أب، من باب الإحسان للأب والبر به مهما كان تصرف تلك الخالة، وكثير من الكبار يؤزون الأبناء تجاه القسوة على خالتهم من هذا المنظور الخاطئ فيدفعونهم إلى عدم الانسجام مع الخالة ويحثون المشاكل في البيت التي يعود ضررها الأكبر على الأب، ويتسببون في عقوقه وعصيانه.

- لقد أوجب الشرع على أبناء الرجل أن ينفقوا على زوجة أبيهم وإخوانهم في حال عجز الأب عن ذلك أو موته، بغض النظر عن طريقة تعاملها معهم، فكيف وقد كانت هذه المرأة نعم المربية لهم فلم هذا النكران.

- لنفترض أنها كانت قاسية معهم، فالواجب أن تقابل الإساءة بالإحسان والقطيعة بالصلة والظلم بالعفو والقول الغليظ بالقول اللين وصدق الله (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ).

- كونك أجبرت أولادك على تقبيل رجل خالتهم ليس فيه شيء في نظري؛ كونهم افتروا عليها وتسببوا في ضربها، وذلك من باب تأديبهم وهو أقل شيء يمكن أن تفعله، وعليك أن تذكرهم بالله وعقوبته، وتحذرهم من أن يقعوا مرة أخرى في عقوقك وإغضابك.

- يحتاج الأبناء إلى من يقوي إيمانهم ويفهمهم الطريقة المثلى في تعاملهم مع خالتهم، خاصة وهي قد أحسنت إليهم وما زالت تحن عليهم، حتى إنها لم ترض أن يقبلوا رجلها.

- لو أن امرأة أجنبية قامت بما قامت به خالة أبنائك لكان لها حق عليهم ولأدوا ذلك الحق عن رضى وطواعية، ولم يستنكف أخوالهم من حثهم على الإحسان إليها، لكن لما كانت زوجة الأب تتعامل بهذه الطريقة جن جنونهم لأنهم وجدوا أمرا غير معتاد؛ فطباع الضرات كره أبناء ضراتهن إلا ما رحم ربي، ومع هذا تعاملت معه تعامل الأم مع أبنائها.

- آمل ألا تقصر في حق أم أبنائك (زوجتك الأولى) لأن الأبناء إن وجدوا تقصيرا في حق أمهم فسيدفهم ذلك إلى بغض خالتهم والكيد لها أكثر.

- ستجد زوجتك أجرها عند الله سبحانه والله لا يضيع أجر من أحسن عملا.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله سبحانه أن يوفقك وأن يصلح أبناءك ويلهمهم الرشد، إنه سميع مجيب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً