الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أعاني من وساوس وأفكار جنسية!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركته.

عندي مشكلة الوسواس، تأتيني أفكار غريبة لا أتقبلها ترهقني، أنا ولله الحمد كامل الذكورة، ولكن لم أمارس الجنس ولو مرة في حياتي، لا أريد السقوط في الحرام، لكن مؤخرا تأتيني أفكار تقول يجب أن أفسد أو أزني كي أثبت رجولتي، وهذا الشيء والله أتعبني، ما الحل يا إخوان؟

وكذلك لا يعجبني شكلي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ محمد حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فمرحبا بك -أخي الكريم-، وردا على استشارتك أقول:
اعلم -أيها الأخ الكريم- أن هذه الوساوس من الشيطان الرجيم الذي يريد أن ينغص حياتك من خلال بثها، فالشيطان عدو للإنسان، وقد أمرنا الله سبحانه بأن نتخذه عدوا كونه لا يريد لنا الخير أبدا، فقال تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا ۚ إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ).

لقد توعد الشيطان بإغواء بني آدم، وقد ذكر الله عنه أن قال: (رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ)، فقال الله له: (فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ)، فقال الشيطان: (رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)، قَالَ الله: (هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ).

الوساوس الشيطانية لم تستثن من هم أقوى إيمانا منا وهم صحابة رسلنا الكريم -رضوان الله عليهم-، فقد جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ، قَالَ: (وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ؟)، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: (ذَاكَ صَرِيحُ الإِيمَانِ).

الشيطان يأتي بأنواع من الوساوس فهو ينظر إلى مواطن ضعف كل إنسان فيأتيه من خلالها، فمنهم من يأتيه من ناحية وضوئه، وآخر من ناحية النجاسات، وآخر يشغله في صلاته، وهكذا ففي الحديث الصحيح أن عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلاتِي وَقِرَاءَتِي يَلْبِسُهَا عَلَيَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ، فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي).

علاج هذه الوساوس يسير إن أنت اتبعت ما سأوجهك به، فما منا من أحد إلا وتنتابه تلك الوساوس، فكما مر إنها لم تترك صحابة رسولنا الكريم -رضوان الله عليهم-، ولكنهم دفعوها باستجابتهم لتوجيهات النبي -صلى الله عليه وسلم-.

من علاج الوساوس احتقارها وعدم الالتفات إليها أو الاسترسال والتحاور معها، ومواجهتها بشدة من خلال صدها بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فور ورودها.

من علاجها عدم إظهار الضعف أمامها، وذلك بقبول التحاور معها، فإن حصل ذلك يفرح الشيطان أشد الفرح؛ لأن هذا هو الذي يريده وهو الباب الذي ينفذ منه للإنسان، فلا تفتح هذا الباب على نفسك، وإن كنت قد فتحته فبادر بإغلاقه وبشدة.

عليك أن تنتهي عن التفكر بتلك الوساوس والتحاور معها، يقول رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ مَنْ خَلَقَ كَذَا؟ حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ).

قم بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم فور ورود الوساوس، لأنك إن فعلت ذلك خنس الشيطان وفر، فقد أمرنا الله بذلك في المعوذتين، وفي قوله: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

الشيطان الرجيم يريد أن يوقعك في الزنا، فيقول لك أثبت رجولتك من خلال ذلك، فلا تصدق ذلك، فأنت رجل تام الرجولة إن عصيته، وعليك بالعفاف وسيرزقك الله الزوجة الصالحة التي تقضي معها شهوتك -بإذن الله تعالى-.

يجب أن تصر على الانتصار على الشيطان الرجيم، فهو ضعيف ولا يقدر على المواجهة، ولذلك لجأ إلى الوسوسة، وذلك من كيده وكيده كما تعلم ضعيف كما ذكر ربنا سبحانه.

أكثر من تلاوة القرآن الكريم، وحافظ على أذكار اليوم والليلة، واجعل لسانك رطبا من ذكر الله، فإن الشيطان يفر من الذاكر لله، يقول سيدنا ابن عباس -رضي الله عنهما- كما في البخاري: (الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإذا غفل وسوس).

أما بالنسبة لشكلك فما العيب الذي فيه، فكل خلق الله حسن، والرجل لا يعاب، يقول سبحانه: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، وأخشى أن يكون عدم تقبلك لشكلك من وساوس الشيطان الذي يريد من خلال إقناعك بذلك أن يوصلك لارتكاب ما حرم الله، فاحذر كل الحذر من ألاعيب الشيطان، واستعن بالله عليه.

نسعد بتواصلك، ونسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً