الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مصرف المال الحرام وحكم إخراج الزكاة منه

السؤال

فإنه من المعلوم أنٌ للزكاة فضلا كبيرا عند الله عز وجل، وقد ذكر العلماء أن من فضائل الزكاة أن تطهر المال من الآثام والمعاصي، لكن لو وقع جامع المال أثناء جمعه في حرام كغش أو دفع رشوة ....فهل نقول إن ماله بعد دفع الزكاة قد تطهر من الحرام؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فيجب أن تعلم أن المال إذا كان جزء منه حراما فإنه لا يخلو من ثلاث حالات:

الأولى: أن يكون هذا الجزء الحرام معلوما بعينه ومن أين أخذه مثلا فإنه لا تجب فيه الزكاة، وإنما الواجب إرجاعه إلى أصحابه إن كان يعرفهم أو يعرف ورثتهم، فإن لم يمكنه ذلك فإنه يلزمه التخلص منه بإنفاقه في أوجه الخير والمصالح العامة، فإن لم يفعل ذلك واحتفظ بهذا المال لنفسه فهو آثم، ويستثنى مما يجب رده إلى أصحابه ما كان أصحابه قد أخذوا في مقابله عوضا محرما كأجرة الزانية وثمن الخمر فهاتان لا تردان إلى المشتري والزاني، بل يتصدق بهما في وجوه البر.

الثانية: إذا لم يكن المال الحرام المختلط بماله معروفا بقدره لكنه يعلم من ظلمهم وأخذه منهم بغير حق فكذلك يجب عليه أن يؤدي إلى من أخذ منهم هذا المال أو إلى ورثتهم قدرا يغلب على ظنه إبراء ذمته به وأداء حقهم كاملا.

الثالثة: أن لا يعلم قدر الحرام ولا يعلم من ظلمهم بأخذ رشوة أو سرقة أو نحو ذلك، فالواجب عليه أن يتصدق ويخرج من المال في مصالح المسلمين العامة ونحوها ما يحقق به توبته ويعذر به عند ربه ويرجو معه مغفرته وعفوه، ذلك هو الحكم الأصلي في الأموال المحرمة إذا جهل مالكها، لكن بعض الفقهاء استثنى منه الأموال التي أخذت من أصحابها برضاهم وأخذوا في مقابلها عوضا من مال أو منفعة ودخل عليها التحريم بسبب مخالفة الشروط الشرعية، وليس بسبب ظلم أصحابها كالأموال التي تقبض بناء على العقود الباطلة أو الفاسدة وتبادل فيها الطرفان الأموال أو أن الحكم في هذه الصورة هو وجوب التراد إن كانت الأموال موجودة بأعيانها وكان التراد ممكنا ولم تكن من الأموال المحرمة في ذاتها.

وإذا تعذر التراد بسبب عدم معرفة صاحب المال فقد ذهب بعضهم إلى أن حائز المال في هذه الحالة يملكه ويتصرف فيه وذلك على سبيل الظفر بالحق الذي على صاحبه أو بمثله وليس على سبيل تصحيح العقد الذي أبطله الشرع.

وفي كل هذه الصور فإنه لو خالف وأخرج زكاة ما يعلم أن فيه حراما فإنه لا يجزئه ويبقى عليه الحق قائما لأصحابه. ومن ذلك يعلم أنه لا يترتب على هذا الإخراج للمال تطهير أو تزكية.

جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: المال الحرام كالمأخوذ غصبا أو سرقة أو رشوة أو ربا أو نحو ذلك ليس مملوكا لمن هو بيده فلا تجب عليه زكاته لأن الزكاة تمليك وغير المالك لا يكون منه تمليك ولأن الزكاة تطهر المزكي وتطهر المال المزكى لقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا {التوبة:103} وقال صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صدقة من غلول.

والمال الحرام كله خبيث لا يطهر والواجب في المال الحرام رده إلى أصحابه إن أمكن معرفتهم وإلا وجب إخراجه كله عن ملكه على سبيل التخلص منه لا على سبيل التصدق به وهذا متفق عليه بين أصحاب المذاهب. اهـ

لكن من لا يشترط النية في صحة أداء الزكاء كالإمام الأوزاعي وبعض المالكية فمقتضى هذا أن يصح أداء الزكاة من حائز المال الحرام فتقع عن المالك. قال القرافي المالكي في الفروق: وعلى القول بعدم اشتراط النية فيها ينبغي أن يجزئ فعل الغير فيها مطلقا كالدين والوديعة ونحوهما.. وهذا القول أعني عدم اشتراط النية قاله بعض أصحابنا وقاسها على الديون واستدل بأخذ الإمام لها كرها. اهـ

وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 3519، 17634، 44819، 74807.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني