الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عدم مواساة الزوج لزوجته في وفاة أبيها لا يعد مسوغا شرعيا لطلبها الطلاق

السؤال

زوجتي أقدمت على طلب طلاق الشقاق بعد 30 سنة من الزواج لأسبـاب تافهة كوني لم أواسها في وفاة أبيها كما تريد, علما أن المرحوم كان يكن لي المحبة والتقدير, وكوني كذلك لم أكن بجانبها في فترة الألم الذي ألم بها, والدي لم يمنعها مع ذلك من متابعة عملها الوظيفي. وها هي تستعد في هذه الظروف العصيبة لأداء مناسك العمرة مع أحد نجلينا. ما جدوى هذا العمل وهي تسعى لدخول البيت الحرام غير آمنة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فليس من شك في أنه كان من المناسب مواساة زوجتك في المصيبة التي ألمت بها وأن لا يشغلك عن ذلك شاغل، وأن تعتذر لها إذا حصل نقص في شيء من ذلك، ومع هذا، فإن مثل هذا الأمر لا يجوز أن يكون سببا لطلب الطلاق، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الْمُخْتَلِعَاتُ وَالْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ رواه أحمد والنسائي وصححه الألباني.

وقال صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ. رواه الترمذي وحسنه وأبو داود وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني.

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي : قوله (الْمُخْتَلِعَاتُ) أَيْ اللَّاتِي يَطْلُبْنَ الْخُلْعَ وَالطَّلَاقَ عَنْ أَزْوَاجِهِنَّ مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ (هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ) أَيْ الْعَاصِيَاتُ بَاطِنًا وَالْمُطِيعَاتُ ظَاهِرًا. قَالَ الطِّيبِيُّ مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ... قَوْلُهُ: (مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ) أَيْ مِنْ غَيْرِ شِدَّةٍ تُلْجِئُهَا إِلَى سُؤَالِ الْمُفَارَقَةِ.

وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى : الطلاق منهي عنه مع استقامة حال الزوج باتفاق العلماء، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن المختلعات والمنتزعات هن المنافقات وقال: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة.

فطلب الطلاق ينبغي أن يجتنب إلا إذا كان هناك ما يقتضيه، وأما إذا حصل ما يقتضيه من سوء العشرة أو التضرر فإنه لا يكون في طلبه حرج، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَا أَعْتِبُ عَلَى ثَابِتٍ فِي دِينٍ وَلَا خُلُقٍ وَلَكِنِّي لَا أُطِيقُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. رواه البخاري.

قال ابن حجر في فتح الباري : فِيهِ أَنَّ الْأَخْبَار الْوَارِدَة فِي تَرْهِيب الْمَرْأَة مِنْ طَلَب طَلَاق زَوْجهَا مَحْمُولَة عَلَى مَا إِذَا لَمْ يَكُنْ بِسَبَبٍ يَقْتَضِي ذَلِكَ.

وأما سفر المرأة بغير إذن الزوج فقد سبق بيان حكمه، وأنه لا يجوز لها ذلك، وراجع الفتوى رقم: 7260، والفتوى رقم: 19940.

ولكن السفر إذا كان للعمرة الواجبة فليس للزوج أن يمنعها منه، ولم نفهم مقصودك من قولك وهي تدخل البيت الحرام غير آمنة.

فيجب على الزوجة أن تتقي الله ولا تعصي زوجها ولا تطلب الطلاق إلا للضرورة، وعلى الزوج أن يحسن عشرتها وينصح لها ويتقي الله وأن يواسيها في مصائبها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني