الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم بيع ووراثة المال الموقوف

السؤال

نملك ملك جدنا المتوفى سنة 1947ميلاد و يتمثل هذا الملك في منزل و جنان و نحن أولاد أولاد الجد و الملك أهمل و ضاع بسبب القدم وعدم العناية به و ماتت الأشجار والنخيل والمسكن قديم على حافة الانهيار وقد أوصى جدنا بحبوس أملاكه و حرم الورثة من التصرف فيه حتى توفي أولاده (الآباء) ولم يبق سوى عمة واحدة على قيد الحياة. و دعا بدعوة الشر على من يقسم أو يبيع أو يغير محتوى الوقف (الحبوس ) السائل هل بعد هذا الضياع يحق للورثة أن يكسروا و يبيعوا و يرثوا حقهم من هذا الميراث خير من ضياعه . وهل دعوة الجد بعد وفاته شرعية و سأرسل لكم نسخة من عقد الحبوس أرجو الإجابة واضحة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن كان ما فعله الجد فعله حال حياته وصحته، ونَجَّزَه من وقته ولم يؤجله إلى ما بعد موته، فهذا وقف صحيح، يجب العمل به، والتزام شرط الواقف فيه.

وأما إذا لم ينجزه بل أجَّله بموته ـ كما هو ظاهر السؤال ـ فله حينئذ حكم الوصية، ولا ينفذ منها أكثر من الثلث إلا برضا الورثة.

جاء في الموسوعة الفقهية: اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي اشْتِرَاطِ التَّنْجِيزِ فِي الصِّيغَةِ ، فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ : الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ ، إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ الْوَقْفِ مُنْجَزَةً ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُعَلَّقَةً عَلَى شَرْطٍ ... لَكِنْ يُسْتَثْنَى عِنْدَ الْجُمْهُورِ الْوَقْفُ الْمُعَلَّقُ عَلَى الْمَوْتِ ، كَمَا إِذَا قَال : إِنْ مُتُّ فَأَرْضِي هَذِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ ، فَإِنَّ الْوَقْفَ يَصِحُّ ؛ لأَِنَّهُ تَبَرُّعٌ مَشْرُوطٌ بِالْمَوْتِ ، وَيُعْتَبَرُ وَصِيَّةً بِالْوَقْفِ ، وَعِنْدَئِذٍ يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الْوَصِيَّةِ فِي اعْتِبَارِهِ مِنَ الثُّلُثِ كَسَائِرِ الْوَصَايَا. انتهى.

وأما مسألة خراب الوقف، فجمهور العلماء على أنه لا يجوز مطلقا حل الوقف ولا التصرف فيه بما يخرجه عن وقفيته. لما روى ابْن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَصَابَ عُمَرُ بِخَيْبَرَ أَرْضًا فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ مِنْهُ، فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي بِهِ؟ قَالَ: إِنْ شِئْتَ حَبَّسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا. فَتَصَدَّقَ عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا وَلَا يُوهَبُ وَلَا يُورَثُ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْقُرْبَى وَالرِّقَابِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالضَّيْفِ وَابْنِ السَّبِيلِ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ أَوْ يُطْعِمَ صَدِيقًا غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ فِيهِ. رواه البخاري ومسلم.

وذهب الإمام أحمد في رواية إلى: أنه يجوز بيع الوقف واستبداله بغيره إذا تعطلت منافعه بالكلية، ولم يمكن الانتفاع به ولا تعميره وإصلاحه.

وإذا كان الموقوف أرضا وعقارا ولم يمكن عمارته إلا ببيع بعضه ، فلا بأس بذلك.

قال ابن قدامة في المغني: الْوَقْف إذَا خَرِبَ وَتَعَطَّلَتْ مَنَافِعُهُ , كَدَارٍ انْهَدَمَتْ , أَوْ أَرْضٍ خَرِبَتْ وَعَادَتْ مَوَاتًا , وَلَمْ تُمْكِنْ عِمَارَتُهَا ... جَازَ بَيْعُ بَعْضِهِ لِتُعَمَّرَ بِهِ بَقِيَّتُهُ . وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ بِيعَ جَمِيعُهُ ... وإِنْ لَمْ تَتَعَطَّلْ مَنْفَعَةُ الْوَقْفِ بِالْكُلِّيَّةِ , لَكِنْ قَلَّتْ , وَكَانَ غَيْرُهُ أَنْفَعَ مِنْهُ وَأَكْثَرَ رُدَّ عَلَى أَهْلِ الْوَقْفِ , وَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ تَحْرِيمُ الْبَيْعِ , وَإِنَّمَا أُبِيحَ لِلضَّرُورَةِ صِيَانَةً لِمَقْصُودِ الْوَقْفِ عَنْ الضَّيَاعِ , مَعَ إمْكَانِ تَحْصِيلِهِ , وَمَعَ الِانْتِفَاعِ , وَإِنْ قَلَّ مَا يَضِيعُ الْمَقْصُودُ , اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ فِي قِلَّةِ النَّفْعِ إلَى حَدٍّ لَا يُعَدُّ نَفْعًا , فَيَكُونُ وُجُودُ ذَلِكَ كَالْعَدَمِ. انتهى.

وأما دعوة الجد بالشر على من قسم أو باع أو غير محتوى الوقف فهذا فرع عن صحة تصرفه، وكون ما فعله وقفا أو وصية، فإن كان وقفا صحيحا فدعوته هذه حق ينبغي الحذر منها، وإلا فلا.

والخلاصة أن ما فعله الجد إن كان وقفا صحيحا بكونه قد نَجَّزَه في حياته، فلا بد من المحافظة عليه وعمارته ولو ببيع بعضه ورده عليه.

وإن كان ما فعله وصية بكونه أجل نفاذه إلى ما بعد موته ، فهي لا تنفذ إلا في حدود الثلث، والباقي يكون ميراثا لمستحقيه.

ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية:23565، 48050، 74508، 6609، 59393، 3858، 6658، 71004.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني