الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

زوجته تهمل ترتيب بيتها و لاتعتني بأطفالها جيدا فما ذا يصنع

السؤال

لدي أخ على قدر من الصلاح وحسن الخلق ومن أهل الدعوة إلى الله تعالى, وأسأل الله له الخلاص، أخي هذا تزوج من سيدة مطلقة وهي من عائلة صالحة وهي نفسها ذات صلاح ودين ..من فترة علمت يقينا أن أخي يعاني منها الكثير, حيث إنني منذ تزوج منذ 9 سنوات وأنا بعيدة عنهم في دولة أخرى, علمت أن أخي يعاني من تقصير شديد على سبيل المثال يأتي من العمل والبيت لا زال غير مرتب, وكثير من الأحيان لا تقوم بالطبخ له ولا تعتني بأطفالها, ويفتقد في بيته الهدوء من صراخ من ناحيتها ومن ناحية الأطفال، لا تهتم بمظهرها ولا بالأمور الخاصة بين الزوجين وهي من النوع المادي جدا, أخي هذا من النوع الهادئ جدا ويحب الجو الهادئ والصوت الهادئ ولكن لديها عكس ذلك تماما, بالنسبة لي يا شيخنا الفاضل فقد تفاجأت بها فقلت في نفسي أين كل ذاك التدين .. أين معرفتها وعلمها الشرعي، مع أنها أحيانا تعطي دروسا دينية للنساء, أنا بصراحة ليس لدي أي استيعاب أنه كيف يفهم الآخرون الدين، والدتي وأخواتي جميعهن قمن بلفت انتباهها لتقصيرها ولنظافة بيتها ونفسها وأولادها والاهتمام بزوجها وكيف أن المغريات خارج المنزل مليئة, أي املئي عين زوجك, حتى ما أتعجب منه شدة العجب أنها هي لفت انتباهها كثيرا وأحيانا يعصب عليها ولكنها لا حياة لمن تنادي،إحدى أخواتي نبهتها أن الزوج ربما يتزوج على زوجته إذا كانت مثل حالك صدقني يا شيخ ردت بكل برود, يتزوج. أخي يقول لها أيضا ربما أتزوج عليك تقول نفس الشيء, تزوج. فماذا يفعل أخي مع هكذا زوجة يعيش معها محروما من كثير من حقوقه الشرعية؟ أعتقد أدناها تجهيز طعامه, ماذا برأيك هل يبقى ينصحها وهي طيلة تلك السنوات تسمع من أذن وتخرج من أذن أخرى لا مبالية, أم يتزوج عليها, أم يصبر مع تعب الأعصاب والتوتر الدائم والنحافة المسمرة بسبب وضعها؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فحقوق الزوج على الزوجة من أعظم الحقوق وآكدها، ولا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، بل إن حقه عليها أعظم من حقها عليه لقول الله تعالى: وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللّهُ عَزِيزٌحَكُيمٌ {البقرة:228}. قال الجصاص: أخبر الله تعالى في هذه الآية أن لكل واحد من الزوجين على صاحبه حقا، وأن الزوج مختص بحق له عليها ليس لها عليه. انتهى. وقال ابن العربي: هذا نص في أنه مفضل عليها مقدم في حقوق النكاح فوقها. انتهى.

وحقوق الزوج على زوجته كثيرة وسوف نذكر منها هنا ما يقتضي المقام ذكره, فمن هذه الحقوق:

تمكين الزوج من الاستمتاع: مِن حق الزوج على زوجته تمكينه من الاستمتاع، فإذا تزوج امرأة وكانت أهلا للجماع وجب تسليم نفسها إليه بالعقد إذا طلب, وإذا امتنعت الزوجة من إجابة زوجها في الجماع وقعت في المحذور وارتكبت كبيرة من كبائر الإثم، إلا أن تكون معذورة بعذر شرعي كالحيض وصوم الفرض والإحرام وما شابه ذلك. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح. رواه البخاري ومسلم.

ومن حقه عليها خدمته بما لا يشق عليها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة.

ومن حقه عليها أن تتزين له وتريه من نفسها أحسن صورة ويتأكد هذا الأمر إذا طلبه الزوج من زوجته فإن التزين له حينئذ يصبح واجبا عليها، لأن له عليها حق الطاعة في غير معصية، ولأنه إذا طلب منها التزين كانت له حاجة إليه، فربما رأى غيرها من المتبرجات فأراد أن يراها في زينتها ليعف نفسه، فيجب عليها أن تساعده، خاصة في عصرنا الذي كثرت فيه الفتن والشهوات. جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية : يستحب لكل من الزوجين أن يتزين للآخر ; لقوله تعالى: وعاشروهن بالمعروف، وقوله تعالى : ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف، فالمعاشرة بالمعروف حق لكل منهما على الآخر, ومن المعروف أن يتزين كل منهما للآخر, فكما يحب الزوج أن تتزين له زوجته , كذلك الحال بالنسبة لها يحب أن يتزين لها . انتهى.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خير النساء التي تسره إذا نظر , وتطيعه إذا أمر, ولا تخالفه فيما يكره في نفسها وماله. رواه الترمذي وغيره, وصححه الألباني.

فإن أمر الزوج زوجته بشيء من حقوقه فامتنعت فله أن يلتزم النهج القرآني في معالجة هذا النشوز، والذي يبدأ بالوعظ والنصح والتذكير بحقه عليها, وتذكيرها بعذاب الله إن هي خالفت أمره, فإن لم ينفع ذلك فليهجرها في المضجع, قال سبحانه: وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا.{النساء:34}. قال القرطبي: الهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويوليها ظهره ولا يجامعها، عن ابن عباس وغيره. وقال مجاهد: جنبوا مضاجعهن ولأن هذا الهجر في فراش النوم وعدم جماعها وعدم التحدث معها إلا قليلاً يُشعر الزوجة بجدية الزوج في تصرفه وهجره لها، وأن هناك ما يزعجه منها حقًا إلى درجة أنه لا يرغب في وطئها وهي في فراش النوم، وأنه قادر على حبس نفسه عن وطئها, وقد يُحملها ذلك كله على ترك النشوز والرجوع عن العصيان. فإن لم ينفع ذلك كان له أن يضربها بشرط أن يكون الضرب غير مبرح، وأن يجتنب الضرب على الوجه والمواضع الحساسة في الجسد. انتهى.

وقد ذكر الحنفية أربعة مواضع يجوز فيها للزوج تأديب زوجته بالضرب ، منها : ترك الزينة إذا أراد الزينة، ومنها: ترك الإجابة إذا دعاها إلى الفراش وهي طاهر، ومنها: ترك الصلاة، ومنها: الخروج من البيت بغير إذنه. جاء في الدر المختار في فقه الحنفية: قال: وصرحوا بأن له ضرب امرأته على ترك الزينة. انتهى. وجاء في تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق : وذكر في المحيط وفي شرح المختار أنه يجوز أن يضربها على ترك الزينة. انتهى .

والذي ننصح به أخاك في حاله هذا أن يستعمل الحكمة والرفق مع زوجته، وإذا كان بحاجة إلى زوجة أخرى وقدر على العدل بينهما فليتزوج لكي يعف نفسه في أزمنة الفتن هذه, وعليه أن يدعو ربه سبحانه أن يرزقه زوجة تكون قرة عين له وتعوضه عما فقده مع زوجته الأولى, ولعل ذلك أن يكون سببا في رجوع الزوجة الأولى إلى صوابها. ولمزيد من الفائدة يرجى مراجعة الفتاوى ذات الأرقام التالية: 9904, 54131.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني