الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

دعوة الوالد على ولده بين القبول وعدمه

السؤال

سؤالي: هل تستجاب دعوة الوالدة على ابنتها حتى لو كانت الوالدة بعيدة عن الدين- غير مؤمنة-لا تصلي ولا تزكي ولا تقرأ القرآن ولا تلبس الحجاب؟ هل يستجيب الله لها؟
لسؤالي هذا قصة- أرجوكم أن تقرؤوها حتى النهاية: فأنا متزوجة منذ أكثر من 12 سنة ولم أنجب حتى الآن- في بداية زواجي توفي والدي وكان جو البيت دائما حزينا مشحونا ومتوترا وكذلك كانت أمي- التي أعتبر علاقتها بي وبإخوتي سلبية وليست مثل باقي الأمهات- وفي أحد الأيام احتد النقاش بيني وبين والدتي لا أذكر السبب فما كان منها إلا أن دعت علي بأن أحرم من الأولاد نعم هكذا كما أحدثكم تماما لا أدري لماذا وما الذي جعلها تتفوه بذلك، ربما كانت تمر بأزمة نفسية، المهم أنا فعلا لم أنجب حملت 3 مرات وأجهضت من دون سبب واضح لذلك- آخر مرة قبل أسبوعين أجهضت جنينا متكاملا في الشهر الرابع وكل ذلك لم يأت بسهولة وحملي كله كان بالتلقيح الاصطناعين أنا إنسانة مؤمنة جدا وكذلك زوجي- أصلي وأصوم وآقرأ القرآن وأستمع إليه - أتصدق كذلك وأدعو الله دائما وأحيانا أقوم الليل وكنت أفعل هذا عندما كنت حاملا. الآن أعيش فترة صعبة جدا في حياتي- أمر بأزمة شديدة وأشعر باليأس - من جهة حزينة جدا على ما مررت به مؤخرا من فقدان الجنين - ومن جهة لا أستطيع نسيان ما دعت به أمي - أتساءل هل يمكن أن تكون هي السبب؟ أحاول أن لا أربط الأمور يبعضها لكني غير قادرة أصبحت لا أطيق التحدث مع أمي- أحيانا أشعر بأني أكرهها- أتشاجر معها وهي لا تعلم لماذا- فأنا أذكرها بذلك أحيانا وليس دائما حتى لا أحرجها, وعندما أذكرها تصمت ولا تجيب وأحيانا تقول أنا لم أفعل ذلك فهي اليوم تعرف كم أعاني - تتمنى أن أنجب وتدعو لي بذلك وتساعدني لكي يتحقق لي ما أريد وأشعر بأنها نادمة وقد وقفت معي في حملي الأخير وساعدتني ولكني لا أستطيع أن أسامحها فلقد عانيت الكثير- وكذلك زوجي- أنا أبلغ اليوم 36وزوجي تجاوز ال 42 - أشفق عليه - أتساءل ما ذنبه؟ هو طبعا لا يعرف بهذا الأمر ودائما يوبخني إذا ما قسوت على أمي أنا في أزمة ولا أدري ما أفعل- أحمل أمي المسؤولية وهي نادمة ولم تكن تقصد- أحيانا لا أستطيع أن أراها أو أحدثها أو حتى أعاملها كأم أصبحت أخشى أن أحاول الحمل مرة أخرى - أرجوكم ساعدوني هل يمكن أن يستجيب الله لها وهي بعيدة كل البعد عن الدين ماذا أفعل؟ ماذا على أمي أن تفعل كي تكفر عن ذلك؟ هل تكفي نيتها؟ هل الصدقات تساعدها؟ هي لا تصلي أصلا أنا لا أريد أن أظلمها لكن الأمر صعب جدا علي, لا أكف عن البكاء وأشعر بأني أختنق ولا أحد يشعر بي ليتني أعلم أنها ليست هي السبب- قد أسامح والدتي إذا ما رزقني الله بطفل وقد أنسى ما حدث ولكن ليس في الوقت الحاضر- أنا آسفة اعذروني على طول الرسالة وأرجوكم لا تمهلوها فأنا بحاجة ماسة للمساعدة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنسأل الله سبحانه أن يفرج عنك الكرب وأن يذهب عنك الهم، وأن يرزقك بالذرية الصالحة التي تقر بها عينك.

واعلمي أيتها السائلة أن دعوة الوالد أو الوالدة على ولدهما الأصل فيها أنها مستجابة, فقد أخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي هريرة مرفوعاً: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة الوالد على ولده ، ودعوة المسافر ، ودعوة المظلوم. حسنه الألباني.

ومعلوم أن الوالدة كالوالد في هذا المعنى بل هي أولى منه لأن حقها أعظم, وكون الوالد على معصية أو مخالفة لأمر الله سبحانه لا يمنع إجابة دعوته إذا ظُلم أو هُضم حقه أو اعتدي عليه, لأن الله سبحانه قد يستجيب للكافر, ولكن إن كان الولد على بر بوالديه وإحسان لهما وكان دعاء والديه عليه محض ظلم وعدوان فهذا الدعاء لا يستجاب إن شاء الله؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم. رواه مسلم

وهذا لا يتعارض مع الجزم المفهوم من قول الرسول الكريم في الحديث السابق: ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن : دعوة الوالد على ولده.... لأن الذي يظهر والعلم عند الله أن هذا مخصوص بالولد العاق المغالي في عقوقه وبغيه.

قال في فيض القدير عند شرح هذا الحديث: ثم الظاهر أن ما ذكر في الولد مخصوص بما إذا كان الولد كافرا أو عاقا غاليا في العقوق لا يرجى بره. انتهى.

ولا شك أن الأم قد أخطأت بالدعاء عليك وخالفت في ذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم ... الحديث رواه مسلم عن عبادة بن الصامت.

وبناء على ذلك فإنا لا نستطيع الجزم بأن ما أصابك -أيتها السائلة - من حرمان الولد إنما هو بسبب دعوة والدتك عليك لأن دعاءها قد يستجاب وقد لا يستجاب, فعليك ألا تشغلي نفسك بما كان من دعائها خصوصا وأنها قد ندمت على فعلها, وآلمها ما يحدث لك وصارت تدعو لك, والأولى أن تشتغلي بما يلي:

1- أن تأخذي بيد أمك إلى طريق الله عز وجل وتأمريها بالرجوع إلى الله , وإقامة أوامره خصوصا الصلاة والزكاة والحجاب .

2- أن تبالغي في بر أمك واسترضائها فأمك لها عليك حق ولو كانت هي السبب في ما أصابك من بلاء, بل ولو كانت مشركة كافرة تدعوك إلى الشرك بالله والكفر به , قال سبحانه: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا {لقمان:15}.

3- أن تكثري من التوبة والاستغفار والإنابة إلى الله, فبمثل هذا تيسر السبل وتفتح الأبواب, وتتنزل الأرزاق, وقد جعل الله سبحانه التوبة والاستغفار من أسباب رزق الولد، قال سبحانه: فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا. {نوح:10،11، 12}

وللفائدة تراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 70101، 6807، 56448 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني