الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

هل الدعاء يغير القضاء والقدر فقد تجادلنا أنا وصديقتي بخصوص هذا الأمر، فهي تقول إن من النية الصادقة بالدعاء ما قد يغير القضاء والقدر إن طلبت الله، فمثلا أن أتحول للجنس الآخر وأقصد إلى رجل، وأنا أقول قد يغير القدر بالدعاء بأشياء معينة وليس كتحول لجنس آخر، فمن الأصح جوابا أنا أم هي أفيدونا؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فما ورد في السؤال من الدعاء بتحويل الجنس وإن كان داخلا فيما يقدر عليه الله تعالى، إلا أن فيه اعتداء ظاهرا؛ إذ إن الله تعالى قد أجرى أمور الخلق في هذا الكون على سنن كونية ثابتة، فلا ينبغي أن يسأل الله تعالى ما هو جار على خلاف هذه السنن الكونية، كما سبق بيانه في الفتويين: 23425، 111332.

وقضاء الله تعالى نوعان: قضاء مبرم، وهو القدر الأزلي، وهو لا يتغير.

وقضاء معلق، وهو الذي في الصحف التي في أيدي الملائكة، فإنه يقال: اكتبوا عمر فلان إن لم يتصدق فهو كذا وإن تصدق فهو كذا. وفي علم الله وقدره الأزلي أنه سيتصدق أو لا يتصدق، فهذا النوع من القدر ينفع فيه الدعاء والصدقة لأنه معلق عليهما. وهو المراد بقوله تعالى: لكل أَجَلٍ كِتَابٌ يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ {الرعد:38-39}، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 12638.

ولمزيد الفائدة يرجى الاطلاع على الفتويين: 43198، 23751 .

وكون الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل وأنه يرد القدر كما في الحديث: لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ. والحديث الآخر: الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل. رواهما الترمذي، وحسنهما الألباني. فمعناه كما يقول ابن القيم في الجواب الكافي: المقدور قدر بأسباب، ومن أسبابه الدعاء، فلم يقدر مجرداً عن سببه ولكن قدر بسببه، فمتى أتى العبد بالسبب وقع المقدور، ومتى لم يأت بالسبب انتفى المقدور وهكذا، كما قدر الشبع والري بالأكل والشرب، وقدر الولد بالوطء وقدر حصول الزرع بالبذر ... وحينئذ فالدعاء من أقوى الأسباب، فإذا قدر وقوع المدعو به لم يصح أن يقال: لا فائدة في الدعاء. كما لا يقال: لا فائدة في الأكل والشرب. اهـ.

وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم: 54532.

وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي: القضاء هو الأمر المقدر، وتأويل الحديث أنه إن أراد بالقضاء ما يخافه العبد من نزول المكروه به ويتوقاه فإذا وفق للدعاء دفعه الله عنه، فتسميته قضاء مجاز على حسب ما يعتقده المتوقي عنه، يوضحه قوله صلى الله عليه و سلم في الرقى: هو من قدر الله. وقد أمر بالتداوي والدعاء مع أن المقدور كائن لخفائه على الناس وجودا وعدما، ولما بلغ عمر الشام وقيل له: إن بها طاعونا. رجع، فقال أبو عبيدة: أتفر من القضاء يا أمير المؤمنين؟ فقال: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم: نفر من قضاء الله إلى قضاء الله.

أو أراد برد القضاء إن كان المراد حقيقته تهوينه وتيسير الأمر حتى كأنه لم ينزل، يؤيده ما أخرجه الترمذي من حديث ابن عمر: إن الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل. وقيل: الدعاء كالترس والبلاء كالسهم والقضاء أمر مبهم مقدر في الأزل .اهـ.

وقال المناوي في فيض القدير: الدعاء ينفع مما نزل من المصائب والمكاره، أي يسهل تحمل ما نزل من البلاء فيصبره أو يرضيه حتى أنه لا يكون متمنيا خلافه ومما لم ينزل منها بأن يصرف ذلك عنه، أو يمده قبل النزول بتأييد إلهي من عنده حتى لا يعبأ به إذا نزل. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني