الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكمة من زواج النبي من صفية بنت حيي

السؤال

بعض الشيوعيين يقولون إن الرسول كان يقتل العدو لكي يتزوج امرأته أو ابنته مثل اليهودي الخيبري الذي قتله الرسول وتزوج ابنته. أريد تفسيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

ففرية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقتل العدو لكي يتزوج امرأته أو ابنته، فهذا يكذبه المنقول والمعقول، فأما المنقول فقد ثبت في الصحيحين أن الله لما فتح خيبر على المسلمين، ذُكر للنبي صلى الله عليه وسلم جمال صفية بنت حيي، وقد قتل زوجها وكانت عروسا. وهذا ظاهر جدا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بها إلا بعد أن قتل زوجها.

ويؤكد هذا أن صفية وقعت في أول الأمر في سهم دحية الكلبي، كما في الصحيحين أيضا أنها وقعت في سهم دحية فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس.

وفي رواية أخرى في الصحيحين أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر ودخلها عنوة وجمع السبي، فجاءه دحية: فقال يا رسول الله أعطني جارية من السبي. فقال: اذهب فخذ جارية. فأخذ صفية بنت حيي، فجاء رجل إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا نبي الله أعطيت دحية صفية بنت حيي سيد قريظة والنضير ما تصلح إلا لك. قال: ادعوه بها. قال: فجاء بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: خذ جارية من السبي غيرها. قال: وأعتقها وتزوجها.

قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: كأنه ظهر له من ذلك عدم رضا الناس باختصاص دحية بمثلها، فخاف الفتنة عليهم فكره ذلك اهـ.

وفي شرح النووي على صحيح مسلم: رأى في إبقائها لدحية مفسدة لتميزه بمثلها على باقي الجيش، ولما فيه من انتهاكها مع مرتبتها وكونها بنت سيدهم، ولما يخاف من استعلائها على دحية بسبب مرتبتها، وربما ترتب على ذلك شقاق أو غيره، فكان أخذه صلى الله عليه وسلم إياها لنفسه قاطعا لكل هذه المفاسد المتخوفة اهـ.

وقال ابن حجر في (الفتح): المراد بسهمه هنا نصيبه الذي اختاره لنفسه، وذلك أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه جارية فأذن له أن يأخذ جارية فأخذ صفية، فلما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنها بنت ملك من ملوكهم، ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه، وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها، فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم، فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي صلى الله عليه وسلم بها، فإن في ذلك رضا الجميع اهـ.

وبهذا يعلم أن النبي صلى الله لم يأمر بقتل زوجها ليتزوجها، بل لما قتل زوجها يوم خيبر أحسن إليها النبي صلى الله عليه وسلم بأن أعتقها وجعل عتقها صداقها، كما في الصحيحين وغيرهما.

وأما من ناحية المعقول، فلابد من النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حال شبابه وقبل نزول الوحي، ثم في حال كهولته بعد نزول الوحي، وكيف لم يتزوج صلى الله عليه وسلم إلا امرأة واحدة ثيبا تكبره في السن، وهي السيدة خديجة رضي الله عنها، فهل يعقل بعد كبر السن، ونزول الوحي، وتحمل أعباء الرسالة وتكاليف الديانة، أن تنقل حياته صلى الله عليه وسلم إلى طلب الشهوات والقتل من أجلها ؟ سبحانك هذا بهتان عظيم !!

فالمتحتم أن كل زيجة من زيجاته صلى الله عليه وسلم إنما كانت لحكم تشريعية ودواع إنسانية، وقد سبق ذكر ذلك مع تفنيد ما يدور حوله من شبهات باطلة، في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 1570 ، 6828 .

كما سبق أسباب تزوجه صلى الله عليه وسلم من صفية بنت حيي على وجه الخصوص، في الفتوى رقم: 35571. وانظر للفائدة الفتوى رقم: 48840 .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني