الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حرمة الخيانة وبيان عقوبتها في الآخرة

السؤال

لي شريك في التجارة، خان الأمانة معي وهرب من البلد المقيم فيها، واختفى بهروبه مبلغ ضخم جدا من المال علما بأن الأموال هي أمانات للناس مما تسبب بمشاكل كبيرة لي، كوني بقيت أواجه هذه المصيبة، علما بأن أهلي باعوا المنزل الذي يسكنونه وتم هجرتهم من المدينة. ماهو حكم الشرع في هذا الخائن. ولو استطعت أن أستحصل منه قسما من المال لي حرام .علما بأني بعت المحلات وتجارتي وسددت قسما من الدين، ولا أملك حاليا ما أعيش أنا وعائلتي المهجرة. وهل يجوز قتله (شرعا )علما بأنه خانني للمرة الثالثة لكن بمبالغ قليلة. وبارك الله من هدانا إلى الصواب؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فقد نهى الله تعالى عن الخيانة، وأمر سبحانه بأداء الأمانة ومدح المؤمنين بذلك، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {لأنفال:27}. وقال: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا {النساء:58} وقال: وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ {المؤمنون:8}.

والخائن وإن استطاع أن يفر من عقوبة الدنيا فهو عرضة لأنه يفضح في الآخرة بقدر غدره، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الغادر ينصب الله له لواء يوم القيامة، فيقال: ألا هذه غدرة فلان. رواه الشيخان.

قال ابن حجر في (الفتح): أَيْ عَلَامَة غَدْرَته ؛ وَالْمُرَاد بِذَلِكَ شُهْرَته وَأَنْ يَفْتَضِح بِذَلِكَ عَلَى رُءُوس الْأَشْهَاد، وَفِيهِ تَعْظِيم الْغَدْر سَوَاء كَانَ مِنْ قِبَل الْآمِر أَوْ الْمَأْمُور. انتهـى.

وراجع في تعريف الخيانة وحكم الخائن وكيفية التصرف معه، الفتاوى ذات الأرقام التالية: 70876، 17344، 16938.

أما قتل الخائن فلا يجوز برغم خيانته؛ فإن قتل النفس لا يباح إلا بإحدى ثلاث، بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث، الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة. متفق عليه.

ثم على تقدير استحقاق المرء للقتل، فإن إقامة الحد لا توكل إلى آحاد الناس، بل ذلك إلى السلطان أو نائبه، كما نص عليه أهل العلم.

وأما أنت فلا يسعك إلا أن ترفع أمرك للقضاء الشرعي لاستيفاء حقك. كما سبق بيانه في الفتويين: 100536 ، 72397. فإن القتل شأنه عظيم وإثمه كبير.

قال تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا {النساء:93}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء. متفق عليه. وقال أيضا صلى الله عليه وسلم: لا يزال المؤمن معنقاً صالحاً ما لم يصب دما حراماً، فإذا أصاب دما حراماً بلح. رواه أبو داود، وصححه الألباني. ومعنى (معنقاً) أي خفيف الظهر سريع السير. ومعنى (بلح) أي أعيا وانقطع.

وأما حكم الحصول على شيء من المال من هذا الخائن، فلا بأس بذلك ولا حرج فيه، ولو قهرا أو دون علمه، ما لم يترتب على ذلك مفسدة أعظم، بشرط أن لا تزيد على حقك. وهذه المسألة تعرف بمسألة الظفر، وقد سبق بيانها في الفتاوى ذات الأرقام التالية: 8780 ، 6022 ، 28871.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني