الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

اللجوء الكنسي.. رؤية شرعية

السؤال

بعض من يهاجر إلى البلاد الأوروبية فرارا وخوفا من ظلم وبطش الآلة العسكرية - كما في بلاد القوقاز مثلا - يضطر أن يلجأ إلى ما يسمى باللجوء الكنسي، وذلك عند رفض السلطات المختصة بالنظر في طلبات اللجوء إعطاء حق اللجوء للمهاجر. إذ إنه لو لجأ إلى ما يسمى باللجوء الكنسي لا ترحّله السلطات، إذ الكنيسة محمية عندهم من دخول الشرطة. فيلجأ هذا المسلم إلى الكنيسة، ويسكن بداخلها أو في إحدى مرافقها مدة زمنية، مثلا شهرين أو عدة أشهر، وبهذا السبب تتركه سلطات الدولة بدون ترحيل ويُنظر في طلبه من جديد.
فهل يجوز للمسلم أن يلجأ إلى مثل هذا، حتى لا يتم ترحيله؟
وهل سيختلف الحكم ما إذا كان سيرحّل إلى بلاده - حيث خوف على نفسه وعرضه وماله - أو إلى إحدى بلاد أوروبا الشرقية التي مرّ به أثناء مجيئه إلى هنا إذ إن أحوال اللاجئين فيه ليست على ما يرام؟
بينوا لنا حكم ذلك، بارك الله فيكم!

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فلا شك أن الأحوط للمسلم والأولى به خصوصا في هذا الزمان، أن يبتعد عن أصحاب الكنائس، وأن لا يتعامل معهم، لأنهم يتخذون مساعداتهم وسيلة للدعوة إلى دينهم والتقريب منه، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 9759. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 28513.

وقد اختلف أهل العلم في حكم دخول الكنيسة، والراجح حرمة دخولها حال وجود منكر كالعبارات الشركية والصور ونحو ذلك، أما مع عدم وجود منكر فلا بأس بذلك، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 37925.

وقبول المسلم مساعدة الكافر، لا يوجد ما يمنع منه شرعا، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم هدايا الكفار كقيصر والمقوقس، كما سبق بيانه في الفتويين:6261، 40918.

ويجب عندئذ الحذر أن يكون ذلك مقابل التنازل عن شيء من الدين، أو التعاون معهم على شيء من باطلهم، كما يجب الحذر من ميل القلب إليهم، فإن أكثر النفوس تميل حبا إلى من أسدى إليها معروفا، وإذا أنس من نفسه ميلا بسبب هذه المساعدة فعليه أن لا يقبلها. كما تقدم بيانه في الفتوى رقم: 7680.

ولا يخفى أن شفاعة الكافر وبذل جاهه نوع من المساعدة والإعانة، فالأصل أنه لا حرج فيها؛ وقد دخل النبي مكة في جوار المطعم بن عدي لما رجع من الطائف، كما رواه ابن إسحاق وغيره. وكذلك لما خرج أبو بكر مهاجرا إلى الحبشة رجع إلى مكة ودخلها في جوار ابن الدغنة سيد القارة. ولكن قبول هذا النوع من الإعانة لا يجوز أن يكون على حساب شيء من الدين.

وهذا كله في حال الاختيار، أما في حال الاضطرار فقد أباح الله تعالى ما هو أبعد من دخول الكنائس والاحتماء بها وهو النطق بكلمة الكفر، كما قال سبحانه: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ {النحل:106}.

فخوف القتل والحبس والتعذيب وما أشبه ذلك مما يبيح اللجوء الكنسي، أما في حال وجود سبيل آخر للتخلص من هذا الضرر والنجاة من هذا الخطر، ولو بضيق في العيش وقلة من المال، فلا ينبغي للمسلم أن يقرب هذا النوع من الأماكن.

وراجع في شروط الإكراه وأحواله، الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 24683، 64166، 71557. ولمزيد الفائدة انظر الفتويين: 60225، 52799.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني