الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أخذ المال على سبيل الحياء غصب

السؤال

شاب هتك عرض فتاة، وحملت منه، ولما ظهر الحمل أخبرت خالها بذلك خوفا من والدها، فتقابل عمها مع الشاب، وطلب منه أن يكتب إقرارا بأنه هتك عرضها، وأن الحمل منسوب إليه إن قدر الله له الحياة، وطلب منه أن يكتب شيكا على نفسه بمبلغ 300 ألف جنيه حتى يكمل زواجه بها، وسوف يعطيه الشيك إذا ستر الفضيحة وتزوجها، بدلا من أن يقدم بلاغا للشرطة ويحاكم ويضيع مستقبله - ما الحكم لو قتل والدي هذا الشاب لينتقم منه؟ وما حكم أخذ هذا المال في حالة مخالفته للوعد بالزواج أيكون المال حلالا أم يكون حراما؟ وماذا أفعل بالولد وأنا أريد ستر الفضيحة؟ وخاصة أن والدي لم ولن يقبل بقاء هذا الطفل في بيته أبدا.
أرجو الفتوى. وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالاتفاق المذكور باطل، ولا يجوز لعم تلك الفتاة أن يستولي على مال ذلك الشاب إن لم يتزوجها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه. رواه أحمد. ولا حق له في مال ذلك الشاب ما دامت الفتاة غير مكرهة. وعلى فرض كونها مكرهة، فلها مهر مثلها. قال الشافعي في الأم: في الرجل يستكره المرأة أو الأمة يصيبها أن لكل واحدة منهما صداق المثل.. انتهى.

لكن الظاهر من السؤال كونها طائعة. وهو إنما دفع الشيك خوفا أو حياء فلا يجوز الاستيلاء عليه. قال الإمام الغزالي رحمه الله: إن الغصب نوعان: غصب استيلاء، وغصب استحياء، فغصب الاستيلاء أخذ الأموال على جهة القهر والغلبة، وغصب الاستحياء هو أخذه بنوع من الحياء، وهما حرامان لأنه لا فرق بين الإكراه على أخذ الأموال بالسياط الظاهرة، وبين أخذه بالسياط الباطنة. انتهى من الفتاوى الفقهية الكبرى لابن حجر.

كما لا يلزم الفتى شرعا أن يتزوج تلك الفتاة، بل ولا يجوز له على الراجح أن يتزوجها إلا إذا تابا توبة نصوحا قال تعالى: الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ {النور:3}.

كما يشترط لزواج الزانية الحامل أن تضع حملها على الراجح، وهو مذهب المالكية والحنابلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا توطأ حامل حتى تضع. رواه أبو داود والحاكم وصححه، ولما روي عن سعيد بن المسيب: أن رجلاً تزوج امرأة، فلما أصابها وجدها حبلى، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ففرق بينهما، ولئلا يختلط ماء السفاح المحرم بماء النكاح الحلال.

وقيل بصحة نكاح الزانية الحامل سيما إن كان من ينكحها هو من زنى بها. وأما نسبة الولد إلى أبيه من الزنا ولحوقه به إذا عقد على أمه قبل وضعه، فقد أجاز ذلك إسحاق بن راهويه، وعروة، وسليمان بن يسار، وأبو حنيفة. قال أبو حنيفة: لا أرى بأساً إذا زنى الرجل بالمرأة فحملت منه أن يتزوجها ويستر عليها، والولد ولد له. وذهب جمهور أهل العلم إلى أن ولد الزنا لا يلحق بأبيه ولا ينسب إليه، لأدلة منها: ما ورد في قضائه صلى الله عليه وسلم في استحقاق ولد الزنا: وفيه يقول: وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمَةٍ لَمْ يَمْلِكْهَا أوْ حُرّةٍ عَاهَرَ بِهَا فَإِنّهُ لاَ يَلْحَقُ بِهِ وَلاَ يَرِثُ وَإِنْ كَانَ الّذِي يُدْعَى لَهُ هُوَ ادّعَاهُ فَهُوَ وَلَدٌ زِنْيَةٌ مِنْ حُرّةٍ كَانَ أوْ أَمَةٍ. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارمي.

ومذهب الجمهور هو الراجح إن شاء الله.

وعليه، فإذا تزوج الرجل بمن حملت منه سفاحاً، فإن ولدها هذا ينسب إلى أمه وأهلها، أما زوجها فيكون هذا الولد له ربيباً، وتثبت له أحكام الربيب فقط.

وأما قتل الفتى انتقاما منه فلا يحل، ومن قتله فقد استحق القتل به قصاصا، وأما الفتى فإن ثبت عليه ذلك الفعل بإقراره أو ببينة فهو إن كان بكرا فعقوبته الشرعية جلد مائة وتغريب سنة، وإن كان ثيبا فحده الرجم، قال صلى الله عليه وسلم: البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم. رواه مسلم. والفتاة مثله في ذلك.

ولكن لا يحق لأحد أن يقيم الحد ولا القصاص إلا السلطان أو نائبه. قال في المغني: إذا لم يكن أمير الجيش الإمام أو أمير إقليم فليس له إقامة الحد... ويؤخر حتى يأتي الإمام لأن إقامة الحدود إليه. اهـ وانظر الفتوى رقم: 54406.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني