الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الغيرة في غير موضعها من الصفات المذمومة

السؤال

أنا سيدة متزوجة، لدي مشكلة في علاقة زوجي مع أهلي، فهو غيور علي منهم، وبين فترة وأخرى يعلق عليهم، ولا يحبذ زيارتهم لي، وفي الفترة الأخيرة حصلت مشكله بيني وبينه ولجأت بها إلى أهلي، ومن بعدها أصبح لا يكلم أهلي ولا يزورهم ولا يسمح لهم بزيارتي. ما الحكم الشرعي في ذلك؟وكذلك هو لا بسمح لي بزيارتهم إلا كل أسبوعين وأنا أحب زيارتهم ووصلهم كل أسبوع. فما الحكم الشرعي بذلك؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فالغيرة في غير موضعها من الصفات المذمومة البغيضة التي يجب على المسلم أن يتنزه عنها؛ لأنها أخلاق أراذل الناس وسفهائهم.

وعلى ذلك فليس للزوج أن يغار على زوجته من أهلها ما لم يوجد مبرر لذلك من تهمة أو ريبة، وما يفعله زوجك من تناول أهلك في حديثه لا يجوز – إذا كان على وجه الطعن والعيب - لأن ذلك من الغيبة المحرمة. وقد بينا حقيقة الغيبة وحكمها في الفتويين : 6710، 12890.

فإن زاد الأمر عن ذلك وحملته الغيرة على منع أهلك من زيارتك أو منعك من زيارتهم دون سبب معتبر فهنا تشتد الحرمة ويعظم الذنب، فإن الراجح من كلام أهل العلم أنه لا يجوز للزوج منع والدي الزوجة وأرحامها من زيارتهم في بيتها ما لم يخش من زيارتهما ضررا كتخبيب ابنتهم عليه.

جاء في الإنصاف للمرداوي: فوائد: الأولى: لا يملك الزوج منع أبويها من زيارتها على الصحيح من المذهب. قال في الفروع والرعايتين: ولا يملك منعهما من زيارتها في الأصح وجزم به في الحاوي الصغير. وقيل: له منعهما. قلت: الصواب في ذلك إن عرف بقرائن الحال أنه يحدث بزيارتهما أو أحدهما له ضرر فله المنع وإلا فلا. انتهى.

وذهب المالكية إلى أنه لا يمنع أبويها من زيارتها حتى ولو كانا مسيئين ولكن ترافقهما امرأة أمينة أثناء زيارتهما.

جاء في التاج والإكليل أيضا: وإن اشتكى ضرر أبويها، فإن كانا صالحين لم يمنعا من زيارتها والدخول عليها, وإن كانا مسيئين واتهمهما بإفسادها زاراها في كل جمعة مرة بأمينة تحضر معهم. انتهى.

وفي التاج والإكليل أيضا: وفي العتبية ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها ويقضى عليه بذلك خلافا لابن حبيب، ابن رشد: هذا الخلاف إنما هو للشابة المأمونة وأما المتجالة فلا خلاف أنه يقضى لها بزيارة أبيها وأخيها وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج. انتهى.

وفيه أيضا: إذا منع أخاها من الدخول عليها سئل عن ذلك مالك فقال ما أرى أن يمنع، وسئل أيضا عن المرأة يغيب عنها زوجها فيمرض أخوها أو أمها أو أختها فتريد أن تأتيهم تعودهم ولم يأذن لها زوجها حين خرج قال لا بأس بذلك أن تأتيهم وإن لم يأذن لها زوجها حين خرج. انتهى.

ومما تقدم تعلمين أن ما يفعله زوجك من منع أهلك من الدخول عليك لا يجوز خصوصا وأن ما يفعله لا مسوغ له، بل لو حدث بين الزوج وبين أهل امرأته شيء من الخصومة أو الخلاف فلا ينبغي أن يحمله ذلك على منعها منهم .

جاء في منح الجليل : إن وقع بينه وبين أخي امرأته كلام فليس له منعه منها. انتهى.

وأما المدة التي يسمح لك بالزيارة خلالها فيرجع في ذلك للعرف والحال، فإن هذا مما يختلف باختلاف الأحوال ومدى تباعد الديار وتقاربها وغير ذلك، فوجب الرجوع في ذلك كله للعادة والعرف، وقد نص بعض الفقهاء في كتبهم على تقييد هذه المدة بأسبوع، فجاء في منح الجليل: فيقضى لهما بالدخول لها كل جمعة مرة. انتهى.

وقال ابن نجيم في البحر الرائق: فعلى الصحيح المُفتى به: تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه، ولزيارة المحارم في كل سنة مرة، بإذنه وبغير إذنه. انتهى.

ولكنا نرى أن هذا جرى مجرى التقريب لا التحديد، فالصواب الرجوع للعرف والعادة كما سبق.

وفي النهاية ننصحك بالتحلي بالحكمة والصبر في التعامل مع زوجك، لا سيما بعدما علمت من غيرته من أهلك، فلا تكوني عونا للشيطان عليه. واحذري أن يشعر منك باستقواء بأهلك عليه فهذا سيزيده نفورا منهم وبغضا لهم . واعلمي أن زوجك هو أولى الناس بك، وحقه أعظم الحقوق عليك بعد حق الله سبحانه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها. رواه ابن ماجه وغيره، وصححه الألباني.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في الفتاوى: المرأة إذا تزوجت، كان زوجها أملك بها من أبويها، وطاعة زوجها عليها أوجب. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني