الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عقول البشر قاصرة عن إدراك حكمة الله في كل ما شرعه لعباده

السؤال

بعض الناس لا يفعل أي شيء من العبادات إلا بعد أن يعرف ما الفائدة منها حتى وإن كانت ثابتة وصحيحة عن الرسول صلي الله عليه وسلم، فهل هذا صحيح؟
سمعت من البعض أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا عندما يأتي وحي للرسول صلي الله عليه وسلم بجديد في العبادات يفعلونه من غير أن يسألوا، وهذا من حبهم لله عز وجل وطاعتهم للرسول صلى الله عليه وسلم فهل ما قلته صحيح أم لا؟ وما هي الأمثلة على ذلك؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن انقياد المسلم لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يتوقف على معرفة حكمة من الحكم أو الفائدة من التشريع، وذلك لأننا عبيد لله عز وجل فمهما أمرنا بشيء فالواجب علينا السمع والطاعة، وهذا مقتضى العبودية، ثم إن عقول البشر قاصرة وعاجزة عن إدراك حكمة الله عز وجل في كل حكم من أحكامه، فلو توقف الانقياد على معرفة الحكمة إذن لتعطلت كثير من الشرائع، بل الواجب على المسلم أن يبادر بالامتثال لأمر ربه تعالى عالما أن ربه تعالى حكيم لا يشرع ما يشرع إلا لمصلحة، وهذه المصلحة قد تظهر للعبد وقد تخفى عليه، فإن ظهرت لم يزده ذلك إلا انقيادا وإن خفيت لم يجعل انقياده متوقفا عليها.

وما أحسن ما قاله أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في معتقده: ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام.

وقد أثنى الله تعالى على المؤمنين من عباده بأنهم يبادرون بالسمع والطاعة لأوامره تعالى من غير توقف ولا تلبث ولا تردد، قال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ{البقرة:285}.

وأمر تعالى عباده بالانقياد لأمره والمبادرة بامتثاله من غير توقف فقال سبحانه: فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا {النساء: 65}.

وقال جل وعلا: ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا{الأحزاب: 36}.

والآيات وكذا الأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا تضيق هذه الفتوى المختصرة عن استقصائها.

وأما ما ذكرته عن حال الصحابة رضي الله عنهم ومسارعتهم إلى الامتثال فلا شك في صحته، وقد كانوا رضوان الله عليهم في الذروة من هذه الفضيلة وهي الإذعان لأمرالله والمبادرة إلى امتثاله من دون سؤال ولا مناقشة، وهل كانت حياتهم كلها إلا مثالا حيا لهذا الخلق؟ وقصصهم وأخبارهم في ذلك ممّا لا تحيط به الأسفار العظام، وهل وجدت أعظم من أن بذلوا أرواحهم ومهجهم طواعية من غير تردد طاعة لله ورسوله؟ وفارقوا ديارهم وأهليهم رغبة في ثواب الله عز وجل، ومن أمثلة مبادرتهم بالانقياد وما أكثرها، ما أخرجاه في الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه: نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية إنها رجس، قال جابر، فأكفأت القدور بما فيها.

وفيهما أيضا عن أنس قال: كنت ساقي القوم في بيت أبي طلحة يوم حرمت الخمر، فجاء رجل فقال إنها قد حرمت الخمر فقالوا أكفئها يا أنس، فكفأتها.

فهذه مبادرة منهم بالامتثال مع ما كان أكثرهم عليه من التعلق بالخمر رضي الله عنهم، والأمثلة في هذا المعنى في غاية من الكثرة يضيق هذا المقام عن ذكرها، فعلى المسلمين جميعا أن يتأسوا بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في انقيادهم لأوامر الشرع واجتهادهم في تنفيذها ومبادرتهم بالتسليم لحكم ربهم جل وعلا دون تردد أو توقف، وفقنا الله جميعا لما فيه طاعته.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني