الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بر الوالدين واجب وإن أساءوا إلى أولادهم

السؤال

والدي صعب في التعامل وعصبي جدا جدا جدا، وكان يتعالج عند طبيب نفسي بسبب كآبته الشديدة، والوضع المادي-موظف- بسبب الحصار على العراق، ومن ثم الاحتلال الأمريكي للعراق قبل حوالي سنتين، والدي طلق أمي بسبب المشاكل التي كانت موجودة قبل ولادتي أصلا هي من 20 سنة، والدي الآن يسكن وحده وأنا لي أختان مع أمي وأنا معهم ساكن- والدي لا يكلم أحد منا،أنا ذهبت إليه كثيرا لكي أطلب رضاه لكنه كان يرفض ويطردني دائما،هو يريد أن تسكن أخواتي معه حتى يرضى عنا، لكن أخواتي يرفضن الذهاب إليه بسبب تعامله السيء جدا وتصرفاته غير اللائقة أمام الناس معنا، وكلامه، حتى إنه كان يطرد أخواتي من البيت مرات عدة ولكن كنت أمنعه وكان يضربني لذلك حتى إن لي أختا أخرى متزوجة لا يريدها إلا إذا قبلت أختاي السكن معه، كان يتفوه بكلام سيء جدا مع أخواتي أمام الناس ولا يهتم لذلك، وكان إذا حصلت مشكلة داخل البيت كان يذهب ويقولها لكل من هب ودب، وحامل لواء المجد محمد صلى الله عليه وسلم يقول: داروا حوائجكم بالكتمان. تركنا والدي من دون مصروف وأنا طالب في الكلية، وقطع المصروف عن أختي الصغرى عندما رفضت السكن معه، أنا الآن تخرجت وذهبت إليه لكي أرضيه وقلت له لا أريد منك شيئا سوى رضاك، كان يرفض إلا أن تسكن أخواتي معه حتى يرضى عنا جميعا عدا أمي أكيد لأنها ليست امرأته، الآن يعاشر أناسا ليسوا بالجيدين أبدا بشهادة أهل المنطقة، والدي كل فترة يرسل رسالة لنا عبر الجوال بكلام غير لائق ويدعو علينا- ورب الكعبة والدي صعب التعامل - أنا أرسلت له كبار المنطقة وشيخ الجامع لكي يسامحني على شيء أنا لا أعلمه لأني لم أفعل له شيئا والله شاهد هو سامحني - وفي اليوم التالي ذهب إلى شيخ الجامع وقال له إنه غير راض عني وكلام الليل يمحوه النهار فهل يجوز ذلك؟ وكان يرسل لنا ويقول إذا رأى أخواتي بالشارع سوف يجرهم من شعرهم وهن محجبات فهل يجوز الكلام عن المسلمات بهذه الطريقة، أنا هددت والدي بسبب كلامه عن جر أخواتي من شعورهن وحذرته،هو قال لي: لن أفعل ذلك لأني أخاف منك، وقال لي عندما أملك سلاحا سوف أقتلك به، أنا والله لست خائفا ولكن حزين جدا أن تصل الأمور إلى هذا الحد، ولكن شرف أخواتي أهم لي من أبي وهذا واقع لأنهم شرفي، أنا فلسطيني لاجئ في العراق وكنت أقول لأبي إذا نحن فيما بيننا نتخالف فمتى نتفق لتحرير أقصاها بلادنا الإسلامية جمعاء، والدنا وحده علما أن عمره 64 عاما وصحته نوعا ما جيدة وهو يغسل ملابسه بنفسه وينظف بيته ويطبخ لنفسه وليس لديه أحد يساعده، علما أني أنا وأخواتي حزينون لذلك ونتمنى مساعدته بالرغم من كل المآسي التي سببها لنا، وهناك الكثير الكثير من المآسي التي لا يسع لذكرها الآن، أخواتي لا يردن السكن معه ولكن يردن الذهاب له يوميا لمساعدته والعودة لبيت أمي، ولكن هو يصر على سكنهن معه، علما أن بيت أبي لا يبعد عن بيت أمي سوى 200 متر فقط. سؤالي: هل يجب على أخواتي الذهاب لوالدي والسكن معه؟ وإذا لم يذهبوا هل يعتبرن عاقات له ومصيرهن جهنم؟ وهل أعتبر عاقا؟ علما أنه سامحني وتراجع. أرجو الجواب سريعا وجزاكم الله خيرا وجعله في ميزان حسناتكم؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فبرّ الوالدين من أعظم الفرائض في الإسلام بعد الإيمان بالله، وقد أمر الله بالإحسان إليهما، ولم يبح مقاطعتهما أو الإساءة إليهما مهما كان حالهما، فقد أمر بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك،، قال تعالى: وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ .{لقمان: 14}.

ولا شك أنّ حرصك وإخوتك على إرضاء أبيكم وبرّه هو علامة خير، لكن ما كان منك من تهديدك لوالدك فهو غير جائز، ويجب عليك أن تتوب إلى الله من ذلك وتستسمح والدك، ولا يجوز لك أن تخاطبه بغلظة وسوء أدب مهما كان حاله.

وأمّا عن طلب أبيكم أن تسكنوا معه وتتركوا أمّكم، فاعلم أنّ الأولاد الصغار دون سنّ التميّز حضانتهم لأمّهم ما لم يكن بها مانع من موانع الحضانة المبينة في الفتوى رقم: 9779. وأمّا الأولاد الكبار فالراجح من مذاهب العلماء أنّهم يخيّرون في الإقامة عند أبيهم أو أمّهم، وانظر الفتوى رقم: 50820.

وعلى هذا، فمن حقّكم أن تختاروا الإقامة مع أمّكم، مع الحرص على برّ أبيكم والإحسان إليه بما تقدرون عليه من زيارته، وتفقد أحواله وقضاء حوائجه، وطاعته في المعروف.

ثم اعلم أنكم إن التزمتم حدود الله في معاملة أبيكم، فإنه لا يضركم دعاؤه عليكم أو عدم رضاه عنكم، لكن عليكم بالاجتهاد في طلب رضاه ونصحه برفق وأدب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني