الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التوبة من التهاون بترك الصلاة

السؤال

أنا فتاة أبلغ من العمر 17وغير منتظمة في صلواتي وذلك يحزنني كثيرا لأن الإنسان لا يعرف متى يومه، وأريد أن أتوب لله توبة نصوحة على أن لا أكرر ذلك، وكذلك أريد أن أختم المصحف الشريف. فسؤالي: ماذا أفعل قبل أداء صلاتي هل أتصدق أو أكتفي بالاستغفار؟ وهل هناك توبة للمتهاون في صلاته؟ أفيدوني أفادكم الله؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فيقول الله عزوجل في كتابه: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ. {الماعون:4}.

قال الشيخ السعدي رحمه الله: أي: مضيعون لها، تاركون لوقتها، مفوتون لأركانها، وهذا لعدم اهتمامهم بأمر الله حيث ضيعوا الصلاة، التي هي أهم الطاعات وأفضل القربات، والسهو عن الصلاة، هو الذي يستحق صاحبه الذم واللوم. انتهى.

وقال الشيخ عطية سالم رحمه الله: اخْتُلِفَ فِي الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ تَوَجَّهَ إِلَيْهِمُ الْوَعِيدُ بِالْوَيْلِ هُنَا . وَالْجُمْهُورُ : عَلَى أَنَّهُمُ الَّذِينَ يَسْهَوْنَ عَنْ أَدَائِهَا، وَيَتَسَاهَلُونَ فِي أَمْرِ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا.

والتهاون بأداء الصلاة كبيرة من كبائر الذنوب، والعلماء مختلفون في كفر تارك الصلاة المتهاون بها وقد ذكرنا أقوالهم في الفتويين: 12448،70270 فراجعيهما .

فالواجب عليك الآن أن تتوبي إلى الله توبة نصوحا، وأن تستغفري من هذا الذنب العظيم، وتندمي على ترك ما فاتك من صلوات، وتعزمي على ألا تعودي لترك الصلاة مرة أخرى، واعلمي أن الله عزوجل يقبل التوبة الصادقة ويثيب عليها، فإن الله تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ.{غافر:3}.

وقال سبحانه: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.{الزمر:53}.

وقال صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ. رواه أحمد والترمذي وابن ماجه، وحسنه الألباني.

قَوْلُهُ : ( مَا لَمْ يُغَرْغِرْ ) : مِنْ الْغَرْغَرَةِ أَيْ مَا لَمْ تَبْلُغْ الرُّوحُ إِلَى الْحُلْقُومِ يَعْنِي مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِالْمَوْتِ فَإِنَّ التَّوْبَةَ بَعْدَ التَّيَقُّنِ بِالْمَوْتِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْت الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ. تحفة الأحوذي بشرح الترمذي.

قال الإمام النووي رحمه الله: وَقَدْ أَجْمَع الْعُلَمَاء رَضِيَ اللَّه عَنْهُمْ عَلَى قَبُول التَّوْبَة مَا لَمْ يُغَرْغِر , كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيث . وَلِلتَّوْبَةِ ثَلَاثَة أَرْكَان : أَنْ يُقْلِع عَنْ الْمَعْصِيَة وَيَنْدَم عَلَى فِعْلهَا وَيَعْزِم أَنْ لَا يَعُود إِلَيْهَا ... وَاَللَّه أَعْلَم" .

ومع التوبة يجب عليك القضاء للصلوات التي فاتتك، فأكثر العلماء يرون وجوب قضاء جميع الصلوات التي تحققت من تركها، وإذا لم تضبطي عددها فواصلي القضاء حتى يغلب على ظنك براءة الذمة، وهذا الذي نفتي به، كما سبق تفصيله في الفتوى رقم: 97471 . وراجعي أيضا في ذلك الفتويين: 61320، 70806.

وأما عن كيفية قضاء الصلوات الفائتة فذلك يكون بما لا يشق عليك، وراجعي كيفية القضاء وطريقة حساب الصلوات الفائتة في الفتويين التاليتين: 70806 ، 61320.

فهذا هو الواجب عليك فعله لتتوبي من التهاون بترك الصلاة، وأكثري من الاستغفار وفعل الحسنات كتلاوة القرآن والإكثار من النوافل. فقد قال سبحانه: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ.{هود:114}.

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : أَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا. رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح. وحسنه الألباني.

ثم نبشر السائلة بقول الله سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا.{الفرقان: 70}. ونسأل الله أن يتقبل توبتك وأن يثبتك على الخير والتقى.

والله أعلم .

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني