الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعظيم حرمات الله بدون غلو أو تفريط

السؤال

في يوم من الأيام كنا ـ أنا وزوجتي ـ نغير لباس السرير، وكان هناك سواك مغلف بغلاف مكتوب عليه: تهادوا تحابوا.
وعلى الغلاف ـ كذلك ـ صورة الحرمين الشريفين موضوع على طرف الطاولة ـ الكوميدينة ـ التي بجانب السرير، وكانت عيني عليه ونحن نغير الفراش خوفا من أن يأتي الفراش عليه أو يسقط عن الطاولة، وكنت أريد أن أغير مكانه، ولكنني لم أغسل يدي وكنت قد تمخطت بمنديل، وأحس أن يدي غير نظيفة، ولما رأيت زوجتي وهي على وشك أن تتكئ عليه تركت الفراش، وقلت لها: لحظة ومسكته من طرفه ـ وأنا عالم متذكر عدم نظافة يدي ـ وأبعدته عن طرف الطاولة، ثم أحسست بأنني استهنت بالحديث الشريف المكتوب عليه، لما مسكت السواك ويدي غير نظيفة وأنني كفرت ـ والعياذ باللَّـه ـ فقلت في نفسي أنت لم تمسك السواك قبل خوفا من الاستهانة، ولما مسكته الآن فقد استهنت بما فيه، وتذكرت الفتوى رقم: 102773.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فيجب تعظيم ما فيه اسم الله، أو أي شيء من القرآن أو السنة، لقوله تعالى: وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ { الحج: 30}.

ولكن ينبغي أن يكون هذا التعظيم بلا غلو أو تفريط، وفعلك هذا أقرب إلى التعظيم، فقد رفعت ما فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا تتكئ عليه زوجتك أو يسقط أرضا، وهذا يدل على ما في قلبك من تعظيم للسنة ورغبة في تكريمها، وليس فيه شيء من الكفر ـ كما تقول ـ ذلك، لأن الكفر في هذه الأشياء يكون بتعمد إهانة ما فيه اسم الله أو القرآن أو الحديث، قال النووي في روضة الطالبين في كتاب الرِّدَّة: هي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارةً بالقول الذي هو كفرٌ، وتارةً بالفعل، والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمُّد واستهزاءٍ بالدِّين صريح، كالسُّجود للصَّنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات. انتهى.

وأنت لم تتعمد إهانة الحديث، وإنما تعمدت إمساكه لئلا يسقط، وفرق كبير بين الأمرين، وكذلك أنت لم تفعل هذا الفعل استهزاء بالحديث أو الدين، ولهذا، فمجرد إمساك هذا المغلف ويدك غير نظيفة لحفظه من السقوط أو امتهان زوجتك له ليس فيه شيء مما ذكره النووي وغيره من العلماء مما يوجب الكفر، وسؤالك عن هذا الفعل وخوفك من الكفر من أعظم الدلائل على ذلك، فلا تلتفت إلى هذه الوساوس واستعذ بالله من شرها.

و الفتوى التي أشرت إليها في سؤالك: تؤكد ما ذكرناه وتنفي ما تعتقده أنت، فقد ذكرنا فيها: أن ملامسة المصحف الشريف والكتب الدينية بيدين متنجستين تتنافى مع تعظيم حرمات الله وشعائره، ولكن هذا الفعل لا يعتبر ردة ما لم يكن قد فعل بدافع احتقار المصحف أو الكتب الدينية والاستهانة بها، إلى آخر الفتوى. وهي الملامسة باليد المتنجسة، والمخاط ليس نجسا كما تتوهم.

فدع عنك هذا التكلف، ولا تلتفت لوساوس الشيطان، ونذكر السائل الكريم بقوله صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا. رواه البخاري.

قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله: وَالْمَعْنَى: لَا يَتَعَمَّق أَحَد فِي الْأَعْمَال الدِّينِيَّة وَيَتْرُك الرِّفْق إِلَّا عَجَزَ وَانْقَطَعَ فَيُغْلَب. قَالَ اِبْن الْمُنِير: فِي هَذَا الْحَدِيث عَلَم مِنْ أَعْلَام النُّبُوَّة, فَقَدْ رَأَيْنَا وَرَأَى النَّاس قَبْلنَا أَنَّ كُلّ مُتَنَطِّع فِي الدِّين يَنْقَطِع. اهـ.

ولمزيد من الفائدة راجع الفتويين رقم: 128204، ورقم: 112698.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني