الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

العفو عمن أساء للدين.. رؤية شرعية

السؤال

إخوتي في الله أود أن أعلم ما هي الفتوى في من شكك وجرح في ديننا الإسلامي، مع العلم أن هذا الموضوع طرح في إحدى مواقعي وقد أساءت له أخت من الطائفة المسيحية وهي لا تقصد الإساءة. هذا ما جاء بكلامها بعد التكلم معها ولكن جميع الإخوة في الموقع نظروا لها أنها أساءت ويجب إبعادها نهائياً. هل هذا يتوجب إبعادها من الموقع بشكل نهائي أم مسامحتها (( العفو عند المقدرة )) ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن عفو المرء عن حق نفسه وتغاضيه عمن أساء إليه أو ظلمه مما يمدح عليه، ولكن هذا لا يجوز في حق الله تعالى ودينه وكتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم، فمن أساء إلى ديننا فليس لنا حق العفو عنه، لتعلق ذلك بحق الله تعالى.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الصارم المسلول على شاتم الرسول): إنما يطلب العفو في شيء يجوز فيه العفو والانتقام. اهـ.

وقال أيضا: الفرق بينه صلى الله عليه وسلم وبين غيره في أن حد قذف الغير إنما يثبت لورثته أو لبعضهم، وذلك لأن العار هناك إنما يلحق الميت أو ورثته، وهنا العار يلحق جميع الأمة، لا فرق في ذلك بين الهاشميين وغيرهم، بل أي الأمة كان أقوى حبا لله ورسوله وأشد اتباعا له وتعزيرا وتوقيرا كان حظه من هذا الأذى والضرر أعظم، وهذا ظاهر لا خفاء به، وإذا كان هذا ثابتا لجميع الأمة فإنه مما يجب عليهم القيام به ولا يجوز لهم العفو عنه بوجه من الوجوه؛ لأنه وجب لحق دينهم لا لحق دنياهم، بخلاف حد قذف قريبهم فإنه وجب لحظ نفوسهم ودنياهم، فلهم أن يتركوه، وهذا يتعلق بدينهم فالعفو عنه عفو عن حدود الله وعن انتهاك حرماته. اهـ.

هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى فإن إقرار المنكر لا يجوز اتفاقا، فلا بد لكل مسلم أن يكون له مرتبة من مراتب الإنكار التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.

ونرى أن استبعاد مثل هذه المرأة المذكورة هو أقل ما يمكن فعله تجاه ما فعلته من الإساءة للدين والتشكيك فيه. لاسيما وهي لا تُؤمَن أن تعود إلى مثل ذلك بأساليب أخرى ملتوية وملتفة. ثم إن دعوى عدم قصد الإساءة غير مقبولة في مثل هذه المسَلَّمات، فتجريح الدين والتشكيك فيه إن لم يكن هو الإساءة بعينها، فليس هناك من شيء يصدق عليه ذلك !!

وبصفة عامة، فمن كان مسؤولا عن موقع أو منتدى أو غير ذلك من وسائل النشر والإعلام، يجب عليه أن يتحرى الصواب والفائدة في ما يقوم ببثه ونشره، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ ذلك أم ضيع. رواه النسائي في السنن الكبرى وابن حبان في صحيحه، وصححه الألباني.

وهذا يحتم عليه الاجتهاد بقدر طاقته في اختيار من له حق المشاركة والتوجيه، وحجب من هو مظنة للفساد أو الإفساد. وراجع الفتوى رقم: 117082.

وأخيرا نذكر السائل الكريم أن مثل هذه المرأة غير المسلمة ليست أهلا لبيان ما ينفع والتحذير مما يضر، بل هي التي تحتاج إلى من يرشدها ويهديها إلى الحق ويبين لها الصواب، فيا حبذا لو وجد عندكم من النساء المسلمات من عندها القدرة على ذلك، وقد سبق لنا بيان الأسس الرئيسة لدعوة النصارى للإسلام، وبيان ما ينبغي أن يتحلى به المتصدي لهذا لشأن العظيم، وذلك في الفتويين: 29347، 20818.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني