الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأصل في المساجد تنزيهها عن اللعب

السؤال

ما هو حكم الألعاب الرياضية مثل كرة المضرب (التنس أو البنغ بونغ) وغيرها من الألعاب داخل المسجد وما يصاحب ذلك من صخب وضوضاء تؤثرعلى من يصلي أو يقرأ القرآن؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن الأصل في المساجد أنها تبنى لذكر الله تعالى وإقامة الصلاة، كما قال عز وجل: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) [النور:36].
وروى مسلم في صحيحه عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صلى قام رجل فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا وجدت، إنما بنيت المساجد لما بُنيت له".
قال القرطبي في تفسيره بعد ذكر هذا الحديث: "وهذا يدل على أن الأصل ألا يعمل في المسجد غير الصلوات والأذكار وقراءة القرآن" ا.هـ.
وقال النووي في شرح مسلم: "في هذين الحديثين فوائد منها: النهي عن نشد الضالة في المسجد، ويُلحق به ما في معناه من البيع والشراء والإجارة ونحوها من العقود، وكراهة رفع الصوت في المسجد". ا.هـ.
وروى مسلم في صحيحه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي بال في المسجد: "إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل، والصلاة، وقراءة القرآن".
قال النووي في شرح الحديث: فيه صيانة المساجد وتنزيهها عن الأقذار، والقذى، والبصاق، ورفع الصوت والخصومات، والبيع والشراء، وسائر العقود، وما في معنى ذلك. ا.هـ.
وبناءً على ذلك، فقد كره جمهور الفقهاء رفع الصوت في المسجد من حيث الجملة، وإن اختلفوا في بعض الأحكام الفرعية، فيُكره عند الحنفية والحنابلة رفع الصوت بالذكر إن شوش على المصلين، إلا للمتفقهة فإنه يجوز، كما يكره عندهم الكلام غير المباح، فإن كان مما يباح فلا يُكره إن لم يشوش على المصلين، وقال المالكية: يكره رفع الصوت مطلقاً، ولو بالذكر والعلم.
والراجح - والله أعلم - جواز رفع الصوت بالعلم والذكر، والتخاصم في رفع الدعوى أو ردها، وغير ذلك مما يحتاج إليه الناس، لأن المسجد مجمعهم، ولابد لهم من هذه الأمور، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يختصم إليه الناس في المسجد، وكان يعلمهم فيه العلم، ويبعث منه السرايا.
أما رفع الصوت بالبيع والشراء، وإنشاد الضالة، واللعب، فلا يجوز لما فيه من التشويش على المصلين، ومنافاة الغرض الذي بنيت المساجد من أجله، هذا مع أن هنالك من نص على أن البيع والشراء محرمان داخل المسجد، ولو لم يصاحبهما رفع صوت، وهو قول وجيه.
وما ورد في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون، وأنا جارية" لا يصح أن يكون دليلاً على جواز اللعب في المسجد مطلقاً، لأن لعب الحبشة كان فيه مصلحة، وهي التدريب على السلاح والرمي بالحرب، وهذا مما يُعين على الجهاد في سبيل الله تعالى.
ولذلك قال النووي في شرح مسلم: فيه جواز اللعب بالسلاح ونحوه من آلات الحرب في المسجد، ويلتحق به ما في معناه من الأسباب المعينة على الجهاد وأنواع البر.
وقال ابن حجر في فتح الباري: الأصل في المساجد تنزيهها عن اللعب، فيقتصر على ما ورد فيه النص.
وعليه، فلا يجوز لعب (البنغ بونع) في المسجد ولا (التنس) ولا غيرهما من الألعاب التي ليس من ورائها مصلحة للمسلمين.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني