الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل ينكر على أقاربه المنكر وإن قاطعوه

السؤال

قرأت أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يشرع إذا كان يؤدي إلى مفسدة راجحة، فهل يشرع لي السكوت عن إنكار المنكر مع أقاربي الذين أعلم يقينا أنهم سيهجرونني بسبب الإنكار ويأنفون من مجالستي وحتى لا أتسبب في قطيعة الرحم، علما بأنني لا أشاركهم في مجالسهم التي تحتوي على المنكر وأنكر بقلبي؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فإن الذي ننصحك به إذا كان أقاربك يرتكبون منكرا هو أن تكون على صلة بهم لتقوم بنصحهم وتوجيههم بأسلوب اللين والرفق والكلمة الطيبة حتى يستجيبوا لك ولا يقاطعوك وتحذرهم من عذاب الله وتذكرهم بما أعد الله للعصاة لعلهم ينتفعون بذلك ويقلعون عن المنكر فتجمع بين صلة الرحم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بالنصح، ولا يجوز السكوت على المنكر، بل يجب إنكاره سواء كان صاحبه قريبا، أو غيره فقد تواترت نصوص الوحي من الكتاب والسنة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصح للمسلمين وذم السكوت على المنكر والفساد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.

ولكن التغيير باليد واللسان مشروطان بالاستطاعة وأن لا يؤدي ذلك إلى مفسدة أعظم من المنكر نفسه، ومن عجز عن ذلك فلا أقل من إنكار القلب، فإن قاطعوك لأجل النصح والإرشاد لم تعتبر قاطعا للرحم، بل إن هجر المقيم على المعصية إذا لم ينفع معه التوجيه والنصح إن كان سيرجع إلى الصواب مشروع ، ففي الفروع لابن مفلح في الفقه الحنبلي: ونقل حنبل: إذا علم من الرجل أنه مقيم على معصية لم يأثم إن هو جفاه حتى يرجع وإلا كيف يبين للرجل ما هو عليه إذا لم ير منكرا عليه, ولا جفوة من صديق. انتهى.

وفي فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث: من جالس أهل المعاصي وتكلم معهم بما فيه خير لهم من إرشادهم ودعوتهم إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة وجدالهم بالتي هي أحسن، فقد أحسن لقيامه بواجب البلاغ، فإن استجابوا فالحمد لله، وإن أصروا على عصيانهم فقد أعذر إليهم الحجة عليهم، ووجب عليه اعتزالهم بعدا عن المنكر، قال الله تعالى: وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ. انتهى.

وبهذا يتضح لك أنه لا يطالب المسلم بهجر الفساق مطلقا، بل المراد إن كان في هجرهم صلاح لهم هجرهم وإن لم يكن فليهجرهم وقت فعلهم للمنكر، هذا إذا لم يحضرهم للإنكار عليهم، وقد بينا معنى الفسوق عند العلماء والفرق بينه وبين المعصية في الفتوى رقم: 134061، فراجعها.

وللفائدة تراجع الفتاوى التالية أرقامها: 24634، 32233، 30703.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني