الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأخت في الرضاعة كالأخت في النسب في جواز النظر والخلوة والسفر

السؤال

أرى أن العلاقة بين الأخ وأخته من الرضاعة علاقة حرمة وليس علاقة إباحة، فهي محرمة عليه حرمة أبدية، ولكن يتعامل معها كتعامله مع الأجنبية، لأن زوجات النبي عليه السلام هن أمهات المؤمنين، ومع ذلك قال الله تعالى فيهن: وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ـ والأخت من الرضاعة لها أحكام تختلف عن الأخت في النسب، فهي لا ترث ولا تلحق بنسب أبيها من الرضاعة، وليس بينها وبين أخيها من الرضاعة ذلك الشعور بالغيرة عليها، ومن السهل استغلال أصحاب النفوس المريضة مثل هذا الموقف لارتكاب الرذيلة تحت مسمى الأخوة من الرضاعة، وقد وجدت في كتاب الله تعالى أن الآية من سورة النور ذكرت ما يباح للمرأة من إظهار زينتها عليهم ولم تذكر الأخ من الرضاعة في حين أنه ذكر في التحريم فقط في سورة النساء حين قال الله تعالى: وأخواتكم من الرضاعة ـ فقد ذكر العموم والخصوص معا، وينبغي لعلماء الأمة أن يبحثوا في هذا الموضوع لتوعية الناس قبل وقوع بناتهن ضحايا لأصحاب النفوس المريضة، والذين يمكن أن يستغلوا هذا المنفذ الشرعي للدخول إلى البيوت الآمنة وفعل الفاحشة من غير ورع ولا تقوى، وجزاكم الله كل خير.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقول السائل إن الأخ يتعامل مع أخته من الرضاع كالأجنبية واستدلاله على ذلك بآية سورة الأحزاب هو استدلال غير صحيح، وليس في الآية وجه دلالة على ما ذكر، وقد دلت السنة على أن الأخت من الرضاع كالأخت من النسب في المعاملة كجواز الخلوة بها والنظر ونحو ذلك، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ فَقَالَتْ إِنَّهُ أَخِي، فَقَالَ: انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ، فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ. اهـ.

ووجه الشاهد في هذا الحديث من جهتين: أولاهما: أن عائشة ـ رضي الله عنها ـ فهمت من تحريم الأخت من الرضاع أنها كالأخت من النسب في جواز الدخول، ولهذا دخل عليها ولم تكلمه من وراء حجاب. وثانيهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر عليها هذا الفهم، وإنما حثها على التحقق من وجود الرضاع بشروطه ولو كانت الأخت من الرضاع كالأجنبية لأخبرها بحرمة الخلوة بدل أن يحثها على التحقق من الرضاع وهذا واضح ـ إن شاء الله ـ وقد نقل العلماء الإجماع على أن الأخت من الرضاع كالأخت من النسب في النظر والخلوة ونحو ذلك. قال الحافظ بن حجر في فتح الباري عند حديث: الرَّضَاعَة تُحَرِّم مَا تُحَرِّم الْوِلَادَة ـ قال: أَيْ وَتُبِيح مَا تُبِيح وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا يَتَعَلَّق بِتَحْرِيمِ النِّكَاح وَتَوَابِعه، وَانْتِشَار الْحُرْمَة بَيْن الرَّضِيع وَأَوْلَاد الْمُرْضِعَة وَتَنْزِيلهمْ مَنْزِلَة الْأَقَارِب فِي جَوَاز النَّظَر وَالْخَلْوَة وَالْمُسَافَرَة. اهـ.

وقول السائل إن آية سورة النور لم تذكر الأخ من الرضاع جوابه أن السنة دلت على أنه كالأخ في النسب ولهذا قال القرطبي والشوكاني عند تفسير آية النور: وليس في الآية ذكر الرضاع، وهو كالنسب. اهـ.

فهذا أمر مجمع عليه أخي السائل فلا يجوز إثارة الشك والشبهة في حله، وقد قال الإمام أحمد لأحد أصحابه: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام.

وكون بعض الإخوة من الرضاع في قلوبهم مرض، وقد يستغلون هذا الحل في ارتكاب الفاحشة هذا لا يسوغ تحريم ما أحل الله، وقد وجد في الإخوة من النسب أيضا من فعل الفاحشة مع أخته، أفنقول لأجل ذلك إن كل أخ من النسب يجب أن يعامل أخته كالأجنبية ويحرم عليه النظر لأخته والخلوة بها؟!.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني