الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

الحمد لله والصلاه والسلام على رسول الله .
إخواني القائمين على هاذا الموقع الهادف والمفيد كل عام وأنتم بخير، وأشكركم جزيل الشكر لما تقومون به من عمل عظيم في مساعدة المسلمين.
* عنـدي سـؤال وأتمنى أن تفيدووني: أنا شخـًص كنت لا أصلي ولا أعلم بأن ترك الصلاة يعتبر كفرا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاه فمن تركها فقد كفر . والآن أنا على أبواب التوبة راجيا الله أن يغفر لي، ولكن يا إخوتي هل أعتبر الآن كافرا ويجب علي أن أجدد إسلامي وأنطق الشهادتين كمن يدخل حديثا بالإسلام أم فقط أتوب وأحافظ على الصلاة ؟؟
هذا هو سؤالي وأرجو منكم أن تفتوني فيه وجزاكم الله خيرا .

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الصلاة شأنها عظيم، وتركها من أكبر الذنوب حتى عده كثير من العلماء كفرا مخرجا من الملة والعياذ بالله.

قال ابن القيم في كتاب الصلاة: لا يختلف المسلمون أن ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأن إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنه متعرض لعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة. انتهى.
وعليك بالمبادرة بالتوبة النصوح من ذلك فإنها واجبة، كما قال تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31){النور 31}.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس: توبوا إلى الله، فإني أتوب في اليوم مائة مرة. رواه مسلم.

واعلم أن باب التوبة مفتوح، فإنه سبحانه غفور رحيم، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، لا يتعاظمه ذنب أن يغفره، يفرح بتوبة عبده ويقبلها منه ويغفر له ذنبه ويمحوه من صحيفته، بل ويبدل سيئاته حسنات، والله تعالى يقول: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى [طـه:82].
وقال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53].
أما عن توبة تاركها فتكون بالتوبة الصادقة وقضاء ما عليه عند الجمهور الذين ذهبوا لعدم كفر تارك الصلاة، وإن كان القضاء مختلفا فيه بين أهل العلم، وانظر للاطلاع على هذا الخلاف الفتوى رقم: 128781، والأحوط والأبرأ للذمة أن تقضي لأن هذا هو قول أكثر العلماء، ثم إن مذهب جمهور أهل العلم عدم كفر تارك الصلاة، وقد رجح مذهبهم النووي و ابن قدامة.

قال النووي في شرح مسلم: وأما تارك الصلاة فإن كان منكرا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين خارج من ملة الإسلام .... وإن كان تركه تكاسلا مع اعتقاده وجوبها كما هو حال كثير من الناس فقد اختلف العلماء فيه، فذهب مالك والشافعي رحمهما الله والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر .....وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر وهو مروي عن علي بن أبى طالب كرم الله وجهه وهو إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله، وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعى رضوان الله عليه، .....واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. وبقوله صلى الله عليه وسلم: من قال لا إله الا الله دخل الجنة، ومن مات وهو يعلم أن لا إله الا الله دخل الجنة ولا يلقى الله تعالى عبد بهما غير شاك فيحجب عن الجنة، وحرم الله على النار من قال لا إله إلا الله وغير ذلك. انتهى.
وقال ابن قدامة رحمه الله: والرواية الثانية يقتل حدا مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن، وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة وأنكر قول من قال : إنه يكفر وذكر أن المذهب على هذا لم يجد في المذهب خلافا فيه وهذا قول أكثر الفقهاء وقول أبي حنيفة ومالك والشافعي ..... ثم ذكر عدة أحاديث تؤيد هذا وقال : لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته ميراثه ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فرق بين زوجين لترك الصلاة مع أحدهما لكثرة تاركي الصلاة ولو كان كافرا لثبتت هذه الأحكام كلها ....وأما الأحاديث المتقدمة فهي على سبيل التغليظ والتشبيه له بالكفار لا على الحقيقة ... انتهى بتصرف.

وأما عند من يكفره فتوبته بالقيام بالصلاة على الأصح لأن كفره بالامتناع منها فحصلت توبته بها، وقيل يأتي بالشهادتين كما قال البهوتي في كشاف القناع: ( فإن تاب ) من ترك الصلاة تهاونا وكسلا ( بفعلها ) أي بفعل الصلاة خلي سبيله، نقل صالح توبته أن يصلي لأن كفره بالامتناع منها فحصلت توبته بها بخلاف جاحدها فإن توبته إقراره بما جحده مع الشهادتين كما يعلم مما يأتي في باب المرتد. اهـ

وقال ابن مفلح في النكت والفوائد السنية: قال الشيخ تقي الدين: الأصوب أنه يصير مسلما بنفس الصلاة من غير احتياج إلى إعادة الشهادتين، لأن هذا كفره بالامتناع من العمل ككفر إبليس بترك السجود وكفر تارك الزكاة بمنعها، والمقاتلة عليها لا بكفره بسكوت فإذا عمل صار مسلما كما أن المكذب إذا صدق صار مسلما، ومثل هذا الكافر تصح صلاته كما أن المكذب تصح شهادته فإن صلاته هي توبته من الكفر أما تصييره مسلما على أصلنا بالصلاة فظاهر فإن الكافر الأصلي والمرتد بالتكذيب لو صلى حكم بإسلامه وإنما الكلام في صحة صلاته قبل تجديد الشهادتين، والمسألة مذكورة في المرتد لا سيما والكافر يصير مسلما بالشهادة لمحمد صلى الله عليه بالرسالة لتضمن ذلك الشهادة بالتوحيد. اهـ

وانظر الفتويين: 65785 ، 120350

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني