الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أستميحكم عذرا على سؤالي ولكن ليطمئن قلبي: مشكلتي أنني لا أستطيع تقدير موقفي هل هو في الخير أم لا واختصارا أحس أحيانا بأنني غير محب للخير لفلان علما بأنه إذا أراد مني حل مشكلته أكون أول من يقوم بالسعي وراء مشكلته لحلها وأفرح بذلك ولكن أحس أحيانا أن ذلك ليس خالصا لله على الرغم بأنني أحب فعلا أن أقوم بخدمته ولكن أحيانا أحس أن قلبي كان سعيدا لوقوع الشخص في مشكلة على الرغم أنني أول من يسعي لحلها علما بأنني محبوب جدا بين جميع معارفي ولكني لا أستطيع تقدير موقفي هل أنا حاقد أم حاسد أم أن هذا من فعل الشيطان؟ علما بأنني لم أتسبب قط في عمل يؤذي إنسانا ولكن قلبي أحيانا يلهمني أنني سعيد لوقوعه في مشكلة، فهل هذا الإحساس يعتبر ذنبا أم أن الله لا يعاقب على ذلك الإحساس؟ أعتذر عن طريقة شرح السؤال متمنيا من الله عز وجل أن تكونوا قد حصلتم على الفكرة وجزاكم الله خيرا، أتمنى الرد.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن المسلم يحب الخير لأخيه ولا يفرح بحصول الشر له ولا يشمت به، فالشماتة بالمسلمين والفرح بما ينزل بهم من بلاء مناف للأخلاق الكريمة، والشيم المرضية التي أمر الله عباده بها, ولا يتصف بذلك من كمل إيمانه وقوي يقينه بربه لحديث مسلم: لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه.

وإن كان ما وقع في نفسك هو مجرد شعور من غير أن تتحدث به إلى الآخرين، أو تعمل بمقتضاه، فإن هذا لا شيء فيه ـ ولله الحمد ـ فقد روى مسلم في صحيحه والبخاري تعليقاً عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به.

بل إن الحاسد إن لم يدفعه حسده لتصرف سيئ تجاه المحسود فلا شيء عليه ولا سيما إن كان خوف الله هو المانع له من ذلك التصرف ولا يحاسب بما يدور في خاطره لأخيه إذا لم يؤذه بكلام أو بفعل، فقد أخرج أبو نعيم: كل ابن آدم حسود، ولا يضر حاسداً حسده ما لم يتكلم باللسان أو يعمل باليد.

فقد قال ابن حجر العسقلاني في الفتح: قوله: ولا تحاسدوا ـ الحسد تمني الشخص زوال النعمة عن مستحق لها أعم من أن يسعى في ذلك أو لا، فإن سعى كان باغيا، وإن لم يسع في ذلك ولا أظهره ولا تسبب في تأكيد أسباب الكراهة التي نهى المسلم عنها في حق المسلم نظر، فإن كان المانع له من ذلك العجز بحيث لو تمكن لفعل فهذا مأزور، وإن كان المانع له من ذلك التقوى فقد يعذر، لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها، وقد أخرج عبد الرزاق عن معمر عن إسماعيل بن أمية رفعه: ثلاث لا يسلم منها أحد: الطيرة، والظن، والحسد، قيل فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال: إذا تطيرت فلا ترجع، وإذا ظننت فلا تحقق، وإذا حسدت فلا تبغ ـ وعن الحسن البصري قال: ما من آدمي إلا وفيه الحسد، فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم لم يتبعه منه شيء. اهـ.

قال الصنعاني في سبل السلام: ثم الحاسد إن وقع له الخاطر بالحسد فدفعه وجاهد نفسه في دفعه فلا إثم عليه، بل لعله مأجور في مدافعة نفسه، فإن سعى في زوال نعمة المحسود فهو باغٍ، وإن لم يسع ولم يظهره لمانع العجز، فإن كان بحيث لو أمكنه لفعل فهو مأزور وإلا فلا، أي لا وزر عليه، لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها ولا يعزم على العمل بها. اهـ.

وفي الإحياء: فإن كان بحيث لو ألقي الأمر إليه ورد إلى اختياره لسعى في إزالة النعمة فهو حسود حسداً مذموماً، وإن كان نزعه التقوى عن إزالة ذلك فيعفى عنه ما يجده في نفسه من ارتياحه إلى زوال النعمة من محسوده مهما كان كارهاً لذلك من نفسه بعقله ودينه. اهـ.

وراجع الفتوى رقم: 47219.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني