الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الطريق الأمثل لحفظ كتاب الله وهل تكفى تلاوة سورة البقرة عما عداها من السور

السؤال

أريد طريقة سهلة لقراءة القرآن، وهل صحيح أن قراءة سورة البقرة كافية كل يوم عن باقي السور؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد جعل الله سبحانه القرآن ميسرا للقراءة، كما قال سبحانه: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ { القمر:17}.

قال ابن كثير: أي سهلنا لفظه ويسرنا معناه لمن أراده ليتذكر الناس. انتهى.

ولعل سبب الصعوبة التي يجدها بعض الناس فيه عدم التعود على قراءة القرآن وعدم المواظبة على ذلك، فلم تتعود الألسن على نطقه، وكذا عدم التعود على الحفظ، والذي ننصح به بعد تقوى الله هو الاستعانة به سبحانه وعدم اليأس، وأن تنتظم في حلقة لتحفيظ القرآن وتقرأ على شيخ متقن مجود، فإن هذا العلم الشريف يتعلم بالتلقي من أفواه المشايخ، وإذا أردت الحفظ فخذ مقدارا يسيرا وأكثر من ترديده حتى يرسخ في ذهنك، ولن تلبث إلا يسيرا وسينطلق لسانك بقراءة القرآن بطلاقة ويسر ـ بإذن الله ـ كما قال صاحب الجزرية في علم التجويد:

وليس بينه وبين تركه * إلا رياضة امرئ بفكه.

وإذا أردت حفظه فعليك بتعاهده وتلاوته يومياً، قال صلى الله عليه وسلم: تعاهدوا القرآن، فوالذي نفس محمد بيده لهو أشد تفلتاً من الإبل في عقلها. رواه البخاري ومسلم.

وعليك بشحذ الهمة بما ورد من الترغيب في حفظ القرآن وتعلمه، وبما ورد في فضل القرآن وحملته، فإن تلاوة القرآن من أفضل الأعمال، وقد ثبت في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف.

وقال صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه.

وأما سورة البقرة: ففضلها عظيم وقد ثبت الحض على تلاوتها ولكنه لم يثبت ما يفيد كفايتها عن باقي القرآن، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة.

وفي رواية: لا تجعلوا بيوتكم مقابر، وإن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان . رواه الترمذي في سننه وقال: هذا حديث حسن صحيح.

وفي تحفة الأحوذي للمباركفوري: وخص سورة البقرة بذلك لطولها وكثرة أسماء الله تعالى والأحكام فيها، وقد قيل فيها ألف أمر وألف نهي وألف حكم وألف خبر، كذا في المرقاة. اهـ

وقد ثبت الترغيب فيها وفي آل عمران في قوله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه اقرأوا الزهراوين ـ البقرة وآل عمران ـ فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرؤوا البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة السحرة. رواه مسلم.

وفي صحيح ابن حبان عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله عليه وسلم: إن لكل شيء سناماً، وإن سنام القرآن سورة البقرة، من قرأها في بيته ليلاً لم يدخل الشيطان بيته ثلاث ليال، ومن قرأها نهاراً لم يدخل الشيطان بيته ثلاثة أيام.

وما ذكر في هذا الحديث من الفضل في قراءة سورة البقرة وآل عمران وما جاء في فضل غيرهما من سور القرآن لا يعني الاقتصار عليها، وإنما التنويه على فضلهما والمطلوب من المسلم قراءة القرآن كله وتعاهد جميع سورة، وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بها وبغيرها في الليل، ففي صحيح مسلم عن حذيفة قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقرأها، ثم النساء فقرأها، ثم آل عمران فقرأها، يقرأ مسترسلا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ.

وروى أبو داود والنسائي وغيرهما عن عوف بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قمت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقام فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ.

فهذان صحابيان يصليان مع النبي صلى الله عليه وسلم وينقلان أنه صلى بسورة البقرة، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يكن اقتصر عليها، وهكذا ينبغي للمسلم أن يفعل اقتداء به، ولأن في عدم الاقتصار على سورة البقرة قراءة لبقية القرآن والانتفاع بما فيه من الهدى والنور، وقد بينا في الفتوى رقم: 3913، الطريقة المثالية لحفظ القرآن الكريم.

وذكرنا خطة مقترحة لحفظه في الفتوى رقم: 25821.

وذكرنا في الفتاوى التالية أرقامها: 8563، 27446، 15633، طرقا معينة على الحفظ وبعض الأسباب المعينة على تثبيته واستمراره.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني