الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل جمع القرآن الكريم في عهد النبوة في مصحف واحد؟

السؤال

هناك روايات عديدة في أن جمع القرآن حصل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. فلماذا تؤكدون على أن جمعه حصل في عهد الخليفة عثمان رضي الله عنه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الصحيح أن القرآن لم يجمع على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلد واحد، إذ لا داعي لجمعه إذ ذاك للأمن من رفعه ومن الاختلاف فيه، ولأنه يتنزل الفقرة بعد الفقرة حسب الوقائع والحوادث، بل كان متفرقاً في صدور الرجال، وقد كتب بعض الناس منه في صحف وجريد ولخاف وهي حجارة بيض رقاق، واستمر الحال هكذا إلى أن استحر القتل في القراء يوم اليمامة في عهد الصديق رضي الله عنه، وأمر زيد بن ثابت أن يتتبع القرآن فيجمعه، وكان عمر قد أشار بهذا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه مخافة أن يموت شيوخ القراء، مثل: أبي بن كعب، وابن مسعود، وزيد وغيرهم، ففي البخاري عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة وعنده عمر ، فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن يجمع القرآن. قال أبو بكر رضي الله عنه: فقلت لعمر: كيف أفعل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: هو والله خير... إلى آخر الحديث، ثم إن أبا بكر أمر زيداً بتتبع القرآن وجمعه، فتتبعه زيد بن ثابت فجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال، فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حياته حتى توفاه الله عز وجل، ثم عند عمر حياته حتى توفاه الله عز وجل، ثم عند حفصة بنت عمر.

وبهذه القصة الثابتة في صحيح البخاري يتضح للسائل أن القرآن لم يجمع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لو جمع في عهده لما خشي عمر رضي الله عنه رفع القرآن بسبب كثرة القتل في حملته يوم اليمامة، وهذا واضح.

أما جمع عثمان رضي الله عنه، ففي البخاري أن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قدم المدينة من غزو أرمينية، فدخل على عثمان وهو أمير المؤمنين يومئذ قبل أن يدخل إلى بيته، فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك. قال: فيما ذا؟ قال.: في كتاب الله، وذكر له اختلاف الناس في القراءات وتنازعهم وإظهار بعضهم تكفير بعض، إلى غير ذلك... فجمع عثمان المهاجرين والأنصار وشاورهم في ذلك، فاتفقوا على جمعه بما صح وثبت في القراءات المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وإطراح ما سواها، فكان رأيه رأياً سديداً موفقا فكلف بجمعه جماعة من الصحابة فجمعوه في مصحف واحد، ونسخوا منه نسخاً فأرسلها عثمان إلى الأمصار، وبقيت عنده نسخة بالمدينة، فهذا هو الجمع الأخير.

وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني